Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
23 janvier 2008 3 23 /01 /janvier /2008 12:24

 

2-2- نموذج فيشر
لا يختلف النموذج الذي وضعه فيشر Fischer لتفسير نمو القدرات المعرفيةاختلافا كبيرا عن نموذج كيس.ولعل أهم ما يجمع بينهما هو الاتفاق حول المصادرة التي تقولإن ما يمكن للطفل أن يتعلمه في مرحلة معينة من مراحل العمر لا يتجاوز بعض الحدود. وأما الفرق الجوهري بينهما فيعود إلى اختلاف تصوراتهما للعوامل التي ترسم للقدرة على التعلم حدودها.فبينما يرى كيس أن الذاكرة القريبة المدى هي العامل الأساسي الذي يحدد ما يمكن للطفل أن يتعلمه، يعتقد فيشر أن درجة تعقد بنية المهارات، أو مستواها الأمثل optimal level، هي التي ترسم للتعلم لدى الطفل حدوده القصوى الممكنة..  
إن ما يميزنظرية فيشر هو عدم فصلها النمو عن التعلم. فقد كان بياجيوالبعض ممن ساروا على نهجه يفصلونعمليات النمو عن عمليات التعلم، ويركزون في بحوثهمعلى عملية النمو لاعتقادهم أن النمويسبق فعل التعلم ويوفر الشروط الضرورية لتحقيقه،وكأن التعلم لا يؤثر بدوره في عملية النمو. إن فصل النمو عن التعلم يدل على عدم اعترافهم بأهمية الدور الذي يلعبه العامل الاجتماعي في عملية النمو.
وكرد فعل ضد هذا التوجه اقترح فيشر ومجموعته نظرية أطلقوا عليها اسم «نظرية المهارات»skill theory، وهي نظرية تجمع بين النمو والتعلم.عبر فيشر Fischer وزميله بيب Pipp عن رأيهما في هذه المسالة بقولهما: «إننا نؤكد في عرضنا لنظريتنا على أن التعلم لا يتعارض مع النمو، كما أنعوامل المحيط لا تتعارض فيها مع العوامل المتصلة بالوحدة العضوية [ للفرد]. إننا لا نضع التعلم في مقابل النمو, ولكننا نتعامل معهما على أنهما مترابطان بصورة لا انفصام فيها»(Fischer and Pipp. 1984 , p.46). إن تنامي العمليات المعرفية في نظر هؤلاء الباحثين هو نتاج التفاعل بين عوامل المحيط والعواملالذاتية. ويرتكز تفسيرهم للنمو على مفهومين أساسيينتمت صياغتهما في ضوءأطروحة التفاعل بين الفرد والمحيط،، وهما: مفهوم المستوى الأمثل optimal level ومفهوم اكتساب المهارات skill acquisition.
2-2-1- نمو المهارات
يدل مفهوم المستوى الأمثل على الدرجة القصوى التي يمكن أن يصل إليهامستوى تعقد المهارات التي يمكن التحكم فيها،ولا يمكن بلوغ المستوى الأمثل إذا كانت ظروف المحيط لا تساعد الفرد على استثمار طاقاته إلى أقصى حد ممكن. وأما عملية اكتساب المهارات فتشير إلى القواعد التي تستخدم لتحويل مهارة معينة لجعلها أكثر تعقيدا وفعالية من خلال ربطها بمهارات أخرى.تأخذ المهارات، من وجهة النظر هذه، شكل بنية دينامية متحولة، تتحرك فتتحرك معها عجلة النمو والتعلم.
وأما المبادئ التي تتحكم في دينامية بنية المهارات فهي:التعويضsubstitution، والتركيزfocalisation، والتأليف compounding، والتمييز differentiation، والتناسق المتبادل intercoordination. ويعتبرفيشر وزملاؤهمبدأ التناسق المتبادل هو المسئول الأول عن نقل بنية المهارات من مستوى معين إلى مستوى أكثر تعقيدا. إن هذا المبدأ هو الذي يحدد كيفية التأليف بين المهارات المكتسبة للحصول على بنية جديدة أكثر تعقيدا وفعالية. وتدلنا المبادئ الأخرى، في نظرهم، على المراحل الفرعية التي تمر بها بنية المهاراتخلال كل مرحلة من المراحل النمائية الكبرى. تقوم هذه المبادئ مقام اللامتغير الوظيفي functional invariant في نظريتهم Fischer and Pipp. 1984 , p.46)).
تتحكم المبادئ الخمس السابقة الذكر في عملية اكتساب المهارات وتحويلها، وتحدد مسار نموهاوالمراحل الكبرى والصغرى التي تمر بها. وتجدر الإشارة إلى أن الأفراد الذين ينتمون إلى نفس الفئة العمرية لا يتوفرون بالضرورة على نفس المهارات،ولذلك يتحركون خلال سيرورتهم النمائية في اتجاهات مختلفة. ومعنى ذلك أن النمو لا يسير دائما في اتجاه خطي تصاعدي كما يعتقد بياجي. وما يدل على ذلك، في نظر فيشر، هو كيفية تعاقب مراحل النمو الفرعية التي تتخلل المراحل النمائية الكبرى المطابقةلمراحل العمر. فقد لاحظ فيشر وجود فروق جوهرية في كيفية تفاعل الأفراد الذين ينتمون إلى نفس الفئة العمرية مع موضوع معين، وتبين له أن طريقة معالجة المعلومات تختلففي تفاصيلها من فرد إلى آخرفي سياق كل مرحلة من المراحل النمائية الفرعية. ويعتبر هذا الاختلاف من أهم مظاهر الفروق الفردية.يفسر فيشر الفروق بين الأفراد في النمو والتعلم بمجموعة منالمتغيرات الشخصية ومتغيراتالمحيط الاجتماعي. ويؤدي التفاعل بين هذه المتغيرات إلى تشعب مسالك عملية النمو، وتسير في اتجاهات مختلفة.ومن هذا المنطلق عرف فيشر وزميله كندي النمو  بأنه:(Fischer and Kennedy, 1997, p 118)  :
» كل نوع من أنواع التغير المنتظم، ولا يشمل فقط التصاعد أو التراجع في اتجاه خطي، بل يشمل أيضا الأنماط المعقدة كالتذبذب بين نقطتين أو الارتقاء الذي يظهر عبر سلسلة من القفزات والكبوات «
ولعل ما يدعم هذه الفكرة هو التنوع الملاحظ في سلوك الأفراد الذين يعالجون نفس الموضوع، والاختلاف الكبير في الأفكار التي يشكلونها عنه. يرى فيشر أن المفاهيم العامة، كمفهوم القدرة أو الكفاية، لا تعكس ذلك التنوع. إن مفهوم القدرة لا يسمح بالتمييز في الأداء بين عدة مستويات بشكل دقيق، ويرجع السبب في ذلك إلى صعوبة التمييز في القدرة ذاتها بين مستويات عديدة ومتنوعة. وعلى العكس من ذلكيمكن التمييز في المهارة بين عدة مستويات، ومن ثمة يمكن إقامة علاقة بين مستويات الأداء ومستويات المهارة، بحيث يمكن القول إن مستوى الأداء يتحدد بالمستوى الذي يقف عنده الفرد في استخدامه للمهارة التي يوظفها لمعالجة مهمة معينة.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه غالبا ما تكون المفاهيم العامةالمستخدمة لوصف السيرورة النمائية مضللة بسبب اختزالها الشديد للواقع وإغفالها للتفاصيل. لذلك يبدو النمو وكأنه يسير في اتجاه خطي تصاعدي عندما يصفه الباحثون في ضوء المفاهيم العامة، وعندما تؤخذ التفاصيل بعين الاعتبار يبدو مساره متعرجا ومتشعبا. يمكن القول بعبارة أخرى إنه عندما يجري التحليل على مستوى المقولات العامة يبدو النمو كما لو كان يسير في اتجاه خطي تصاعدي، وعندما يجرى التحليل على مستوى السلوك الفعلي بأبعاده المتعددة والمتنوعة يبدو مساره متشعباوغير خطي. يستعمل فيشر صيغة بلاغية خاصة عندما يتعرض لوصف النمو المتشعب المسالك كبديل عن الصيغة التقليدية التي تشبهه بالسلم، حيث شبهه بنسيج الشبكة وأغصان الشجرة للتأكيد على ديناميته المتذبذبة ومده وجزره في كل مرحلة من مراحل العمر. يدل هذا التشبيه على أن الفرد يمر خلال كل طور من أطوار النمو بعدة مراحل مختلفة ومتزامنة، تعكس كل مرحلة منها درجة تعقد المهارات المستخدمة لمعالجة المهام المرتبطة بحقلمعين من الحقول المعرفية التي يتمتع كل واحد منها بنوع من الاستقلال النسبي الذي لا يلغي التقاطع مع غيره من الحقول الأخرى. بإمكان كل مدرس أن يلاحظأن مستوى نمو المهارة التي يوظفها التلميذ لمعالجة القضايا المرتبطة بمادة دراسية معينة قد يختلف عن مستوى نموهافي مجالات دراسية أخرى،يبدو التلميذ وكأنه ينتقلمنمرحلة عمريةإلى أخرىعندما ينتقل من مادة دراسية إلى أخرى. يدل ذلك على أن وتيرة النمو تختلف باختلاف المجالات المعرفية، ويدل أيضا على أن طبيعة الموضوع تؤثر في بنية المهارات، كما يدل على أن المشكلة لا تكمن فقط في القدرة على نقل المهارة من حقل إلى آخر، ويدل أخيرا على أن «العقل ليس وحدة كلية، ولكنه يتكون من أجزاء مستقلة»Fischer and Kennedy. 1997. p. 123))، بحيثيمكن التأليف في كل وضعية متميزة بين بعض العناصر أو الأجزاء لتشكيل بنية جديدة من المهارات تكون على درجة معينة من التعقيد.
.يشبه فيشر وكندي مسالك النمو بشبكة نسجت من الحبال. يتكون كل حبل منها من مجموعة من الخيوط المجدولة. تمثل الخيوط فيها المهارات، وتمثل الجديلة بنيتها،وترتبط كل جديلة من جدائل الشبكة بمجال معين من مجالات النشاط المعرفي. تدل كل جديلة على مجموعة من المهارات التي تنمو كل واحدة منها عبر سلسلة من المراحل. وفي كل مرحلة جديدة من المراحل النمائية يعاد تركيب العناصر، وتدمج البنية السابقة في البنية الجديدة بطريقة متراتبة وفقا لما تنص عليه نظرية كيس Case تماما. وكذلك يمكن الحصول على بنية أكثر تعقيدا من خلال الجمع بين جديلتين مما يؤدي إلى ازدياد فعالية الفرد في معالجة المهام المتصلة بحقل معين من الحقول المعرفية. وعلى إثر ذلك تحصل الطفرة في النمو
وتحصل الطفرات أيضا في الحالات التي تكون فيها البنيات مستقلة عن بعضها البعض ومتفاوتة في درجةنموها بسبب انتمائها إلى مختلف المجالات المعرفية.ليس من المستبعد، إذن، أن يطرأ التحول في مختلف البنياتفي نفس الفترة الزمنية، وذلك على الرغم من التفاوت الموجود في درجة نمو مختلف المهارات التي تندرج في تكوينها. ولكن هذه الطفرات المتزامنة تأخذ أشكالا عديدة ومتنوعة كالتشعب، وتغيير الاتجاه، والاندماج.يدل التنوع في شكل الطفرات على التباين الموجود بين مختلف الحقول المعرفيةفي كيفية تنظيم المهارات، كما يدلعلى أن المهمة المعرفية تؤثر في المهارة وتحدد مستوى نموها.
Partager cet article
Repost0
22 janvier 2008 2 22 /01 /janvier /2008 12:28
تميز نظرية المهارات في السيرورة النمائية بين ثلاث مراحل كبرى أو ثلاثة أطوار: الحسي-الحركي، والتمثلي، والتجريدي. وفي كل طور من هذه الأطوار تمر المهارة خلال نموها بعدة مراحل،وتزداد درجة تعقدها كلما انتقلت من مرتبة إلى أخرى. وتشتمل الأطوار الثلاثة على عشر مراتب، وتمثل المرتبة الأخيرة في كل طور بداية الطور الموالي.
فخلال المرحلة الحسية-الحركية،التي تمثل الطور الأول في السيرورة النمائية، يكون الطفل في البداية قادرا على إدراك وفهم سلوك بسيط واحد، ثم إنه لا يلبث أن يكتسب القدرة على ربط هذا السلوك بسلوك آخر بسيط ليألف منهما وحدة سلوكية متميزة. وخلال المرحلة الثالثة من الطور الأول يكتسب القدرة على التأليف بين الوحدة السلوكية السابقة ووحدة سلوكية أخرى في إطار نسق متكامل من الوحدات السلوكية الحسية-الحركية. وفيالمرحلة الأخيرة من هذا الطور يصبح قادرا على التأليف بين مختلف الأنساق السلوكية الحسية-الحركية ليشكل نسق الأنساق الذي يدل على أنه استبطن مختلف أنواع السلوك الحسي-الحركي وحولها في ذهنه إلى تمثلات. فعندمايتمكن من إدراك العلاقة بين سلوك الطبيب وسلوك المريض، مثلا، يتمثل دور الطبيب. يحصل هذا الأمر في حوالي السنة الرابعة أو الخامسة من العمر.
ويلج الطفل طوره النمائي الثاني في حوالي السنة السادسة أو السابعة من العمر، عندما يكتسب القدرة على الجمع بين تمثلين. ويستمر في التأليفبين التمثلات على نحو تصاعدي، وتزداد درجة تعقد المهارات أكثر فأكثرإلى أن يتشكل نسقمتكامل من التمثلات. وفي المرحلة الأخيرة من الطور الثاني يؤلف بين أنساق التمثلات ليبني نسق الأنساق الذي يضاهي المفهوم المجرد.يحصل هذا التحول في حوالي السنة العاشرة أو الثانية عشرة من العمر.
وينطلق طور التجريد في حوالي السنة الرابعة عشرة أو السادسة عشرة من العمر عندما يكتسب الفرد القدرة على الربط بين المفاهيم في إطار نسق مجرد. ويبلغ التجريد درجة عالية في نهاية الطور الثالث عندما يتشكل نسق الأنساق المجردة الذي يدل على قدرة الفردعلى إدراك المبدأ المنظم للوقائع التي تختزلها المفاهيم. يحصل هذا التحول في حوالي الرابعة والعشرين أو السادسةوالعشرين من العمر(1983; (Fischer and Pipp. 1984 ; Fischer Hand and Russel.
يمكن القول بصفة عامة إنه كلما ازدادت درجة تعقد المهارات وبلغت حدها الأقصى في نهاية كل طور إلا وحصلت الطفرة التي تنقل الفرد من التمثل إلى المفهوم، ومن المفاهيم إلى المبدأالعام المنظم للمعلومات.وتجدر الإشارة إلى أن تحديد المراحل الزمنية قدتم في ضوء نتائج البحوث الميدانية التي أجريت على عينة من الأفراد الذين ينتمون إلى الشرائح الوسطى من المجتمع الأمريكي.
 والملاحظ أن مراحل النمو التي كشف عنها فيشر تشبه إلى حد كبير المراحل التي وصفها كيس Case. ولكن التشابه بينهما يقف عند هذا الحد. هناك في العمق اختلاف جوهري بينهما فيما يتعلق بتصوراتهما لآليات النمو. فبينما يرى كيس أن السيرورة النمائية تتوقف على تنامي الطاقة الاستيعابية للذاكرة القريبة المدى، يعتقد فيشر أن دينامية النمو تتحدد قبل كل شيء بالقدرة على تنظيم السلوكات والمهارات. وبينما يرى كيس أن المهارات تظل ثابتة بعد تشكلها، يؤكد فيشر على أن عملية تشكل المهارات هي عملية مستمرة لا تتوقف في أية مرحلة من المراحل النمائة إلى أن تصل إلى الحدود القصوىالتي يرسمهاالمستوى الأمثل في كل طور.
2-2-2- مستوى النمو الأمثل
يتبين في ضوء نموذج فيشر أن بنية المهارات تسير خلال مراحل نموها بوتائر متفاوتة في اتجاهات مختلفة. ولا يحصلالنمو في إطار هذا النموذج بطريقة تلقائية،على عكس ما يوحي به نموذج كيس،لأن بنية المهارات تخضع في سيرورتها النمائية لتأثير مجموعة من العوامل العاطفية-الوجدانية، وتتحدد بمدى قوة الحوافز ومقدار الدعم الذي يتلقاه الفرد من الوسط الذي يعيش فيه. تساعد هذه العوامل على الزيادةفي وتيرة النمو،وتحدد موقع الفرد فيما يسميه فيشر وزملاؤه بمدى النمو development rangeالذي يتراوح بين الحد الأدنى الذي يدل عليه مفهومالمستوى الفعلي functional level  والحد الأقصىالذي يدل عليه مفهوم المستوى الأمثل optimal level.
ومن هذا المنطلقعرف فيشر مدى النمو بأنه المسافة الفاصلةبين المستوى الفعليوالمستوى الأمثل لنمو المهارات في مجال معين من المجالات المعرفية خلال مرحلة معينة من مراحل العمر. ففي ظل الشروط المثلى بفصح سلوك الطفلعن الحد الأقصى الذي وصل إليه نمو قدراته العقلية ومهاراته. ويرتفع مستوى الأداء ليصل إلى حدوده القصوى الممكنة عندما يجد الطفل من يوجهه ويساعده على التعلم، ويدعم مبادراته وسعيه إلى تحقيق أهدافه،وعندما يكون قد اعتاد على العمل وأصبح قادرا على تنفيذ المهامبكيفية فعالة بسبب كثرة الممارسة وقوة الحوافز.
يدل مفهوم المستوى الأمثل على أقصى ما يمكن للطفل أن يحققه من إنجازات في ظل الشروط المثلى.ويدل مفهوم المستوى الفعلي على ما يمكنه إنجازه في غياب هذه الشروط، أي في الظروف العادية. يدل مفهوم المستوى الأمثل إذن على الحد الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه درجة تعقد المهارات في الظروف المساعدة؛ويدل مفهوم المستوى الفعلي على الحد الأقصى الذي يصل إليه نمو المهارات في الظروف العادية. ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن مفهوم النمو الأمثل هو مفهوم مشتق من مفهوم «منطقة النمو القريب المدى»the zone of proximal development  الذي بلوره العالم السوفياتي فيكوتسكي قبل عدة عقود خلت(Vygotsky, 1978; Fischer Bullock. Rotenberg and Raya, 1993 )
يؤدي مفهوم المستوى الأمثل وظيفة أساسية في نظرية المهارات. يقوم هذا المفهوم مقام المؤشر الذي يدل على طبيعة النمو ومراحله في نظرية فيشر، ويستعمل باعتباره المعيار الذي يبين ما إذا كان الفرد قد انتقل بالفعل إلى مرحلة نمائية جديدةأم أنه لازال حبيس المرحلة التي يوجد فيها.وتكمن أهمية هذا المفهوم أيضا في أنه يأخذ بعين الاعتبار عوامل المحيط،ويبرز دورها في تحديد وتيرة النمو وفي حدوث الطفرات. فعندما يعتاد الفرد على العمل في الظروف المثلى يرتفع مستوى الأداء ليصل إلىحدوده القصوى، وترتفع وتيرة النمو تبعا لذلك، وتحصل الطفرةفي النمو بعد فترة قصيرة نسبيا، ويرتفع المستوى الأمثل لينتقل إلى الأفق الجديد الذي يتجه إليه بصره. وعندما يكون مستوى الأداء مطابقا للمستوى الفعلي أو غير بعيد عنه تتباطأ وتيرة النمو، ويحصل التغير بطريقة تدريجيةعلى امتداد فترة زمنية طويلة نسبيا. وخلال الفترة التي يتجدد فيها المستوى الأمثل تميل بنية المهارات إلى التغير بسرعة في الحقول المعرفية المألوفة. وعندما يتجدد المستوى الأمثل ويصبح قائما بالفعل تتباطأ وتيرة نمو المهارات في تلك الحقول المعرفية، ويكون ذلك بداية طور جديد، وهكذا دواليك.
ولا تتوقف السيرورة النمائيةأبدا، إذكثيرا ما يجد المرء نفسه أمام مهمة جديدة تتطلب معالجتها توظيف المهارات المكتسبة في بعض الميادين التي لم يعتد على التعامل معها بدرجة كافية، وهنا يجد نفسه مضطرا إلى صقل تلك المهاراتوالاعتياد على تطبيقها من أجل تعميماستعمالها على الرغم من أن الظروف التي تحيط به لا توفر له من أسباب الدعم والمساعدة ما يكفي لتحقيق هذه الأهداف. ويؤدي الجهد المبذول لصقل المهارة وتعميم استعمالها إلى تشكل بنية جديدة من المهارات، وعندئذ تكونالشروط المعرفية قد تهيأت لارتفاع المستوى الأمثل وانفتاح الفرد على أفق جديد.يمكن القول بناء على ذلك إنه يتعين على الفرد أن يُعِدّ لكل حقل من الحقول المعرفية التي يقتحمها لأول مره بنية خاصة من المهارات تتناسب مع الحقل الجديد.وتتحدد درجة تعقد البنية الجديدةبطبيعة المستوى الأمثل المتاح.
Partager cet article
Repost0
21 janvier 2008 1 21 /01 /janvier /2008 12:34

يلعب المستوى الأمثل دورا مهما في عملية النمو، فهو الذي يحدد ما يمكن للفرد أن يتعلمه، ويحدد المهارات التي يمكنه اكتسابها،ويتحكم في القدرة على تطبيق قواعد التحويل الخمس، وينبئ بالمرحلة النمائية التي يمكن للفرد ولوجها. فإذا كانت المرحلة الأخيرة من الطور الأول، مثلا، هي التي تمثل المستوى الأمثل بالنسبة لطفل في الرابعة أو الخامسة من العمر، فسيكون باستطاعة هذا الطفل أن يتمثل دور الطبيب، ولكنه لن يكون قادرا على التنسيق بين المهارات التي تؤهله لتمثل مختلف الأدوار من أجل إدراك علاقة التفاعل بينها. وكذلك الحال بالنسبة لقواعد التحويل الأربع الأخرى، فإن إمكانية تطبيقها من أجل إحداث نقلة في بنية المهارات تتحدد بطبيعة المستوى الأمثل في مرحلة معينة من المراحل النمائية. فإذا كان الطفلفي بداية طوره النمائي الثانيقد اكتسب القدرة على تطبيق قاعدة التأليف على مستوى الأدوار للخروج بفكرة التفاعل بينها، فإنه لن يكون قادرا على تطبيقهاخلال تلك المرحلة على مستوى التفاعل بين وحدات الأدوار المتفاعلة التي تم بناؤها،ولذلك تظل كل وحدة من وحدات الأدوار المتفاعلة منفصلة عنبعضها البعض. تمثل كل وحدة من وحدات الأدوار المتفاعلة في المرحلة الأولى من الطور الأول نسقا من التمثلات. ولن يتمكن الطفل من التأليف بين الأنساق التمثلية إلا بعد مضي حوالي ثلاث أو أربع سنوات، أي بعد أن يكتسب القدرة على بناء نسق الأنساق التمثلية الذي يضاهي المفهوم المجرد.
وهكذا، فإن كل مستوى أمثل جديد يجعل الفرد أمام تحديات جديدة، لأنه يرفع سقف المطالب فيما يتعلق بالقدرات التي يتعين على الفرد اكتسابها ليكون قادرا على تطبيققواعد التحويل الخمس. ذلك لأن تطبيق قواعد التحويل من أجل تغيير بنية المهارات الأكثر تعقيدا يتطلب مجهودا أكبر من المجهود الضروريلتغيير بنية المهارات الأقل تعقيدا، ولذلك يعجز الفرد على تطبيقها في بداية كل مرحلة جديدة. ومع مرور الوقت يرتفع العجز تدريجيا، ويبدأ بتطبيق القواعد البسيطة كالتعويض والتمييز والتركيز إلى أن يكتسب القدرة على التنسيق والتأليف. ولا تتشكل هذه القدرة إلا بعد أن تظهر مقومات المستوى الأمثل الجديد في أفق قريب المدى.
يخضع النمو المعرفي، من وجهة النظر هذه، لإكراهات المستوى الأمثل لا لإكراهات الذاكرة القريبة المدى.. وتجدر الإشارة إلى وجود علاقة بين المستوى الأمثل وعامل السن: ففي كل مرحلة من مراحل العمر يتشكل المستوى الأمثل من جديدفي نفس الفترة الزمنية على وجه التقريب لدى جميع الأفراد العاديين الذين ينتمون إلى نفسالفئة العمرية والذين يعيشون في ظروف اجتماعية متماثلةـ ويمر جميع أفراد الفئة بنفس المراحل، وتحدث كل طفرة في فترة محددة من فترات العمر بالنسبة إليهم جميعا. تحدث الطفرة الأولى لدى الأطفال في السنة الرابعة من العمر، وتحدث الطفرة الثانية في السنة السادسة، وتأتي الطفرة الثالثة في حوالي السنة الحادية عشرة من العمر. يتطابق هذا التحقيب مع التحقيب الذي اقترحه كل منروبي كيس Case وجون بيغس Biggs وغيرهما (Siegler,. 1997). وتظهر الطفرات لدى المراهقين والراشدين في حوالي السنة الخامسة عشرة، والتاسعة عشرة، والخامسة والعشرين Fischer. 1984 . p. 51)). وفي أعقاب كل طفرة تزداد بنية المهارات قوة وفعالية، ويرجع الفضل في ذلك إلى انبثاق المستوى الأمثل الجديد في الأفق القريب.
ومن المزايا المترتبة عن ازدياد درجة تعقد بنية المهارات المصاحب للطفراتاتساع الطاقة الاستيعابية للذاكرة القريبة المدى. ذلك لأن الذاكرة النشيطة تصاب بالإتخام في نهاية كل طور من الأطوار النمائية بسبب تضاعف عدد الوحدات أو العناصر المعرفية التي يتعين على الفرد معالجتها في آن واحد. ففي نهاية الطور الأول، مثلا، تزداد قدرة الطفل على تمثل الوقائع، فينتج من التمثلات ما لا يستطيع التحكمفيه، ويزداد الضغط على الذاكرة القريبة المدى.ذلك أنه كلما تضاعف عدد الوحدات التي يتم إنتاجها إلا وتقلصت الطاقة الاستيعابية للذاكرة القريبة المدى،ويتواصل الضغط على الذاكرة النشيطة إلى أن تستنفذ طاقتها. وعندما يصبح الفرد قادرا على التأليف والتنسيق بين مجموعة من الوحدات يتحرر جزء مهم من حيز الذاكرة القريبة المدى لفترة من الزمن، ثم إنها لا تلبث أن تصاب بالإتخام من جديد كلما ازداد الضغط عليها. وعندما يتمكن الفرد من التنسيق بين التمثلات في إطار نسق متكامل يتحرر جزء من حيز الذاكرة النشيطة مرة أخرى، ثم تصاب بالإتخام عندما تتكاثر الأنساق التي تشكلت على ذلك النحو. وعندما يتمكن الفرد من اختزالأنساق التمثلات في مفهوم مجرد تتسع طاقتها الاستيعابية من جديد، حيثيتشكل النسق الكلي الذي يساعد على تحريرها، وهكذا دواليك. يدل ذلك على وجود علاقةبين الذاكرة القريبة المدى والمستوى الأمثل. يتوقع في ضوء هذه النظرية أن تزداد قدرة الذاكرة القريبة المدى كلما ارتفع المستوى الأمثلوكلما ازدادت درجة تعقد بنية المهارات في كل مرحلة من المراحل النمائية. يقول فيشر وبيب بهذا الصدد(Fischer and Pipp. 1984, p. 71):
 »إن ارتفاع المستوى الأمثل يزيد من قدرة الفرد على معالجة المعلومات، لكن ازدياد القدرة لا يترتب عن الزيادة في كمية المعلومات التي يتم الاحتفاظ بها في الذاكرة النشيطة، بل عن التغير الحاصل في طبيعة البنية التي يمكن التحكم فيها. إن بروز المستوى الأمثل الجديد يمنح القدرة للفرد على إعادة تنظيم مهاراته بطريقة أكثر فعالية. وهكذا، فإن حصول نقلة في المستوى الأمثل يزيد من موارد الذاكرة، لأن المستوى البنيوي الجديد يؤدي إلى معالجة المعلومات بفعالية أكبر «    
تتضمن هذه الفقرة إشارة إلى نظرية كيس Case المتعلقة بنمو الذاكرة القريبة المدى. يبدو أن فيشر وزميله يتفقان معه حول نقطة واحدة على الأقل، وهي أن قدرة الذاكرة القريبة المدى تنمو مع مرور الزمن، ولكنهما يختلفان معه فيتفسير هذه الظاهرة. فبينما يرى كيس أن الزيادة في فعالية الذاكرة القريبة المدى تتجلى من خلال قدرة الذاكرة على استيعاب عدد أكبر من المعلومات في كل مرحلة جديدة، يعتقد فيشر وزميله بيب Pipp أن الأمر لا يتعلق بكمية المعلومات بل بكيفية تنظيم المهارات. وليس معنى ذلك أن كيس لا يأخذ بعين الاعتبار الجانب الكيفي في عملية النمو، فقد سبقت الإشارة إلى مدى أهمية مبدأ دمج البنيات في نظريته، وهو ما ألح عليه فيشر بدوره في حديثه عن مبادئ التحويل. والفرق بين فيشر وكيس هو أن هذا الأخيريفسر عجز الذاكرة القريبة المدى بتزايد كمية المعلومات التي يتعين على الفرد معالجتها في لحظة واحدة، ويرتفع العجز عندما يكتسب القدرة على دمج عمليات معالجة المعلومات بعضها مع البعض الآخر، مما يؤدي إلى اتساع الطاقة الاستيعابية للذاكرة القريبة المدى، فيرتفع مستوى الأداء؛بينما يرى فيشر أن الفرق بين البنية الجديدة والبنية السابقة لا يكمن في كمية المعلومات التي يمكن لهذه البنية أو تلك أن تستوعبها،بل في درجة الفعالية في معالجة المعلومات التي يرسم المستوى الأمثل الحدود القصوى التي يمكن أن تصل إليها في كل مرحلة نمائية.
خلاصة
على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين أفكار كل من فيشر وكيس وغيرهما من البياجيين الجدد ثمة نقاط تقاطع ذات معنى بينهم. ولا عجب في ذلك إذا علمنا أنهم ينطلقون جميعا من مرجعية مشتركة. ترجع جذور أفكارهم جميعا إلى بياجي وعلم النفس المعلوماتيوعلم النفس الفارقي الذي جعلهم يأخذون بعين الاعتبار الفروق الفردية في النمو ويحاولون تفسيرها. ويستطيع المحلل أن يلمس في أعمال بعضهم إلى أي حد كان تأثير عالم النفس السوفياتي فيكوتسكي Vygotskyسائدا وقويا. لقد أمدهم هذا المفكر الذي سبق عصره بتصوراته وأفكاره ببعض المفاهيم الأساسية التي مكنتهم من إدراج عوامل المحيط في معادلات النمو والتعلم.
ومع أن هؤلاء الباحثين ينطلقون جميعا من أرضية واحدة فإنهم تعاملوا معها بطرق مختلفة، وتأثروا بها بدراجات متفاوتة. وهذا شيء طبيعي، وهو ما يفسر نقاط التلاقي والتقاطع والاختلافبينهم. فهم يعتقدون مثل بياجي أن متغيرات السن والنضج ترسم لقدرة الطفل على معالجة المعلومات في كل مرحلة من مراحل العمر حدودا لا يمكنه تجاوزها،وتحدد بذلك قدرة الفرد على اكتساب المهارات والتعلم. ويرون جميعا أن الإكراهات التي تفرضها عوامل السن ومستوى النضج الفيزيولوجي تخفوطأتها مع مرور الزمن، وتزداد القدرة على التعلم واكتساب المهارات. ولكنهم يختلفون في تصورهم لآليات النمو، حيث ركز كيس على أهمية الدور الذي تلعبه الذاكرة القريبة المدى، بينما أولى فيشر أهمية خاصة لمفهوم المستوى الأمثل. وقد يرجع هذا الاختلاف إلى تباين تقديراتهمالمدى أهمية الدور الذي تلعبه كل من العوامل الفيزيولوجية وعوامل المحيط في السيرورة النمائية. وما يمكن ملاحظته بهذا الصدد هو أن فيشر يولي أهمية كبيرة لعوامل المحيط التي يختزلها مفهوم المستوى الأمثل الذي أخذه عن فيكوتسكي. إن هذه العوامل هي التي تلعب الدور الرئيسي في تنامي قدرة الذاكرة القريبة المدى في نظرية فيشر،بينما تظل هذه العوامل ثانوية في نظرية كيس بالمقارنة مع المكانة التي تحتلها العوامل الفيزيولوجية فيها. ولذلك نجد كيس يميل أكثر إلى الرأي القائل بأن النمو يحصل في الغالب بطريقة تلقائية، ويميل بالتالي إلى تمجيد التعلم الذي يرتكز على مبدأ التوجيه الذاتي، ويقلل من أهمية دور الراشدين في عملية النمو والتعلم، ويرى، علاوة على ذلك، أن بإمكان الفرد أن يعمم استخدام المهارة المكتسبة ليشمل جميع الحقول المعرفية. وفي المقابل يلح فيشر على أهمية الدعمالذي يتلقاه الطفلمن الراشدين، ويعتقد أن لكل حقل من الحقول المعرفية بنية خاصة من المهارات. ولعل التباين في تقدير أهمية الدور الذي تلعبه كل من العوامل الاجتماعية وعوامل النضج الفيزيولوجي في السيرورة النمائية هو ما يفسر اختلاف تصوراتهما لسيرورة النمو العقلي المعرفي، حيث إنها تأخذ شكلا خطيا تصاعديا في نظرية كيس، بينما تأخذ شكل شبكة معقدة في نظرية فيشر.
                                                                                       
Partager cet article
Repost0
20 janvier 2008 7 20 /01 /janvier /2008 12:39

 

المراجع
Barcker, W. and Newson, L. (1979). «The development of social cognition:definition and location». In S. Mogdal and C. Mogdal (eds), toward a theory of psychological development, Windsor , NFER.
Biggs, J.B.& Collis, K.F.(1982). Evaluating the quality of learning:  The SOLO taxonomy.         Sydney: Academic Press .
Biggs, P.J. Moore (1993).Process of learning, New York, London, Toronto, Sydney: Prentice Hall, Third edition.
Case, R. (1992). «The role of central conceptual structures in the development of children’s scientific and mathematical thought». In A. Demetriou, M. Shayer & A. Afklides (eds), The modern theories of cognitive development, London: Routledge and Kegan Paul.
Case, R. (1985). Intellectual development : A systematic reinterpretation, New York: Academic Press .
Case, R. (1982). Cognitive development . New York : Academic Press .
Case, R. (1984a). «The process of stage transition : A neo-piagian view». In W. Kessen (ed), Mecanisms of cognitive development . New York : Freeman .
Case, R. (1984b).. Intellectual development . New York : Academic Press .
Damon, W.(1981). «Exploring children’s social cognition on two fronts», in J.H. Flavel (ed), Social cognitive development: frontiers and possible futures, Cambridge: Cambridge University Press.
Das, J.P. (1984). “Aspects of planning”. In J.R. Kirby (ed), Cognitive strategies and educational performance .Orlando, San Diago,San Francisco,New York, London : Academic Press INC .
Das, J.P., Kirby, J.R. & Jarman, R.F. (1979). Simultaneous and successive cognitive processes . New York : Academic Press .
Demetriou, A. (ed),(1988). The neo-piagetian theories of cognitive development. Amsterdam: North-Holland .
Fischer, K. & Silvern, L. (1985). «Stages and individual differences in cognitive development». Annual Review of Psychology , n° 36 , pp. 613-648
Fischer, K.W. & Pipp,S..(1984).«Processes of cognitive development :Optimal level and skill acquisition ». in R.J. sternberg, (ed). Mechanisms of cognitive development  New York : Freeman .
Fischer, K.W. , Hand, H.H. & Russell, S. (1983). «The development of abstractions in adolescence and adulthood» In M. Commons, F. Richards, & C Armond (eds), Beyond formal operations , New York : Praeger .
Fischer, K.W. & Kennidy, B.P. (1997). «Tools for analyzing the many shapes of development : The case of self-in-relationships in Korea» in E. Amsel.& K..A.Renninger (rds). Change and development : Issues of theory, method and application . London : Lawrence Erlbaum Associates .
Ginsberg, H.P (1981). «Piaget and education». In I.E. Siegel et al (eds), New directions in piagetian theory and practice, Hillsdale: Lawrence Erlbaum.  
Glachan, M. and Light, P.(1982). «Peer interaction and learning: can two wrongs make a right». In G. Butterworth and P. Light (eds). Social cognition: studies of the development of understanding, London: The Harvester Press.
Hamlyn, D.W. (1983). Perception, learning and the self, Routledge and Kegan Paul, LTD.
Hunt, E. (1980). «Intelligence as an information processing concept» . British Journal of Psychology, n° 71. pp. 449-474 .
Kessen, W. (1984). «Introduction . The end of the age of development». In R.J. Sternberg, Mechanisms of cognitive development, New York : Freeman .
Kirby, J.R. (1984),(ed). Cognitive strategies and educational performance Orlando, San Diago, San Francisco, New York, London : Academic Press Inc.
Kirby, J.R. (1984a). “Stategies and processes”. In J.R. Kirby (ed), Cognitive strategies and educational performance .Orlando, San Diago,San Francisco,New York, London : Academic Press INC .
Kirby, J.R. (1984b). “Educational roles of cognitive plans and strategies”. In J.R. Kirby (ed), Cognitive strategies and educational performance .Orlando, San Diago,San Francisco,New York, London : Academic Press INC .
Siegler, R.S. (1997). «Concepts and methods for studying cognitive change», in E. Amsel & K..A.Renninger (eds). Change and development : Issues of theory, method and application . London : Lawrence Erlbaum Associates .
Vygotsky, L.S. (1978). Mind in society: The development of higher psychological processes. London: Cambridge, Massachusetts, Harvard University Press .
 
 
Partager cet article
Repost0
2 janvier 2008 3 02 /01 /janvier /2008 22:54

ٍ

التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
أحمد أغبال
 
كيف يتحدد مفهوم الوعي ومفهوم الأنا في فلسفة سارتر؟ وما نوع العلاقة بينهما؟ وكيف تتحدد العلاقة بين الأنا والغير في إطار هذه الفلسفة؟ سوف نتطرق في لحظة أولى إلى هذه القضايا في ضوء نظرية الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر المبسوطة في كتابه الموسوم بـ"تعالي الأنا" (*)ثم نقوم في لحظة ثانية برصد تطور مواقفه من مسألة الغيرية في أعماله المتأخرة التي تناول فيها قضايا الخيال والصور الفنية.
1. مفهوم الأنا المتعالي في فلسفة سارتر  
يعتبر كتاب "تعالي الأنا" محاولة لوصف وتحليل ظواهر الوعي والوقائع الجوانية من وجهة نظر فينومينولوجية. ويهدف إلى بيان ما إذا كان الأنا ظاهرة من ظواهر الوعي ذاته كما هو الحال بالنسبة لكل من ديكارت وكانط وهوسرل، أم أنه موضوع من موضوعات العالم كالأشجار والكراسي وما إلى ذلك. وأما أطروحته الأساسية في هذا المجال فتتمثل في جوابه عن السؤال: "من أنا ؟" أو بعبارة أخرى: ما هي طبيعة أناي؟ وقبل أن يقدم أطروحته التي تمثل جوابه على هذا السؤال استهل كتابه بنقد تصورات بعض الفلاسفة من أمثال هوسرل وكانط وديكارت للأنا. نقرأ في مقدمة الكتاب:
"إن الأنا بالنسبة لمعظم الفلاسفة "كائن يسكن" الوعي. ويدعي بعضهم أن له حضور شكلي في صميم تجربة الحياة كمبدأ فارغ للتوحيد [= يؤدي وظيفة التوحيد أو التركيب]. ويدعي آخرون – وهم في الغالب الأعم من علماء النفس – أنهم اكتشفوا حضوره المادي في كل لحظة من لحظات حياتنا النفسية بوصفه مركز الرغبات والأفعال. ونود أن نبين هنا أن الأنا لا يوجد في الوعي لا شكلا ولا مضمونا، بل في الخارج، في العالم؛ إنه كائن من كائنات العالم، تماما مثل ما هو الحال بالنسبة لأنا الغير"
تلخص هذه الفقرة مآخذ سارتر على الفلاسفة والمفكرين الذين يقولون بأن الأنا المتعالية هي المبدأ الشكلي الضروري لنشاط الوعي، وهي الأطروحة التي تبناها كل من كانط وهوسرل، كما أنه رفض الأطروحة التي تقول بأن الأنا المتعالي توجد على مستوى نشاط الوعي والتفكير، في أحضان الذات المفكرة، وهي الأطروحة التي نجدها عند كل من ديكارت وهوسرل. وبعد أن عبر عن موقفه الرافض لهاتين الأطروحتين قدم بديلا عنها، وهو أطروحته التي تقول: إن الأنا بطبيعته وتكوينه متعالي عن الوعي. وقبل أن نستعرض تفاصيل هده الأطروحة ومبرراتها وما يترتب عنها، دعونا نستعرض أهم مآخذ سارتر على الأطروحات السابقة.
يقول هوسرل: إن الوعي هو دائما وعي بشيء ما، فهو يتجه دائما نحو موضوع ما ويكشف عنه، مثله في ذلك مثل شعاع الضوء، يسقط على الأجسام فتتجلى للناظر إليها. توحي هذه الفكرة، إذا نظرنا إليها من وجهة نظر سارتر، بأن وراء كل وعي "بنية وعي ضرورية" تنير بأشعتها الظواهر الموجودة في الحقل الذي يتجه إليه الانتباه (=القصدية). وهكذا تكتسي بنية الوعي الضرورية أو الأنا المتعالية طابعا خاصا وتصبح شخصية بالكامل. ومن هنا كان تساؤل سارت: هل كان من الضروري أن يلجأ هوسرل إلى هذا المفهوم؟ وهل ينسجم مع تعريفه للوعي؟ وكان جوابه طبعا بالسلب. وإنما اعترض سارتر على تصور هوسرل للأنا المتعالية بدعوى أن إدراج "بنية الوعي الضرورية" في العالم المتعالي سيؤدي إلى فساده من خلال حدوث شرخ في الوعي وانقسامه على نفسه؛ وسيؤدي الأنا المتعالي بذلك في اعتقاده إلى موت الوعي. وإنما أراد سارتر بنقده لهذه الأطروحة أن يفرغ الوعي من أي محتوى ليجعله شفافا ولاشخصيا.
وأما القول بأن الأنا المتعالية هي الشرط الشكلي الضروري لقيام الوحدة وبناء التركيبات، فهو قول مردود في نظر سارتر: إن الأنا المتعالية ليست الشرط الضروري الذي يضمن وحدة الوعي وتفرده، بل، وعلى العكس من ذلك، فإن وحدة الوعي هي التي تقف خلف تشكل الأنا. فالأنا الذي نصادفه على مستوى الوعي إنما يعبر عن الوحدة التركيبية لتمثلاتنا، تلك التركيبة التي تنصهر فيها وتتوحد مختلف أبعاد الوعي ومكوناته على نحو مخصوص، وهذا ما يجعل من الممكن التمييز بين "وعي" وآخر، بين حياة الوعي لدى زيد وحياة الوعي لدى عمر. فلابد أن يكون هناك خيط رابط يوحد بين مكونات الوعي لدى زيد ويمنح لوعيه خصوصية تميزه عن عمر.
حاول سارتر الدفاع عن أطروحته تلك في كتابه "تعالي الأنا" الذي يمثل بداية قطيعته مع هوسرل؛ ولكن الحلول التي اقترحها لمسألة العلاقة بين الوعي والأنا ومسألة الغيرية ظلت محدودة وغير مكتملة حسب تقديرات المحللين، ولعلها كانت مشاريع حلول أو حلول تجريبية، وربما كان سارتر على وعي تام بذلك قبل أن يتداول فيه المحللون؛ لاشك في أنه كان ينظر إليها على أنها حلول مؤقتة لإشكالات عويصة كما يوحي بذلك العنوان الفرعي للكتاب(*)؛ يفهم من هذا العنوان على أن الكتاب ليس أكثر من خطاطة عامة تمثل الخطوط العريضة لمشروع بعيد المدى يهدف، من بين ما يهدف إليه، إلى الكشف عن طبيعة الوعي، والمبدأ الذي تقوم عليه وحدته وتفرده، وعلاقته بالأنا وبالغير.
ففيما يتعلق بوحدة الوعي، يرى سارتر أن في كل لحظة من لحظات الوعي، أي عندما نكون أمام موضوع ما، فإنه من الضروري أن تتوحد عمليات الوعي في مواجهتنا لذلك الموضوع؛ فعندما يعض زيد تفاحة، فإن جميع عناصر الإدراك من خشخشة وطعم ورائحة وما إلى ذلك يكون لها حينئذ حضور في وعي واحد متفرد هو وعي زيد. فما الذي يمنح لوعي زيد وحدته ويجعل المدركات تنصهر فيه في إطار تركيبة متميزة ؟ لو طرحتا هذا السؤال على كانط لأجاب: إنه الأنا المتعالي؛ ويرى سارتر على العكس من ذلك بأن الوعي يستمد وحدته من الموضوع لا من الأنا المتعالي، وهو ما عبر عنه بقوله: "إن وحدة الوعي توجد على مستوى الموضوع". إن الوحدة التي يشير إليها سارتر هنا هي وحدة "المئات من أنواع الوعي النشيطة" التي ينصب اهتمامها على نفس الموضوع. وترتبط هذه الوحدة بالمستوى المتعالي من الموضوع الذي يتجه إليه الانتباه. والمقصود بتعالي الموضوع هنا امتداده إلى ما وراء التجربة الراهنة في اتجاه الماضي والمستقبل، حيث أصبحت مظاهره الآنية تتوحد بمظاهره في الزمن الماضي والمستقبل. إن الموضوع الذي يتجاوز لحظته بمظاهره العابرة للأزمان هو موضوع متعالي أو ذو وحدة متعالية؛ وبناء على ذلك يمكن القول بأن وحدة الوعي ليست شيئا آخر غير الوعي بتلك الوحدة المتعالية، إنها الوعي الخالص، ذلك الوعي الذي تم تطهيره من شوائب الأنا أو بنيته ليصبح مجرد علاقة فارغة بالوحدة المتعالية لموضوعه. ولكن، ما الذي يضمن استمرار وحدة الوعي عبر الزمن ؟
للإجابة على هذا السؤال لجأ سارتر إلى مفهوم الوعي الزمني conscience temporelle الذي استعاره عن هوسرل والذي يدل على أبعاد الوعي الثلاث في علاقته بالزمن، وهي:
القصد intention ويعني في نفس الوقت الاتجاه المفرغ/المحايد نحو موضوع ما (موضوع القصد objetintentionnel) والفعل الذي يضفي المعاني والدلالات على ذلك الموضوع؛
التوجه القصدي نحو المستقبل protentionوهو نوع من التوقع المرتبط باللحظة الراهنة ارتباطا جوهريا ويستبق الأحداث قبل وقوعها. فعندما تسمع نوطة موسيقية، فإنها لا تصبح جزءا من معزوفة في وعيك إلا إذا تلتها نوطات أخرى، وكنت تتوقع سماعها على نحو ما. فالتوقع هو جزء من إدراك النوطة بوصفها جزء لا يتجزأ من المعزوفة.
التذكر rétention، وهو استحضار وقائع الماضي الفوري في الوعي، فكما أن النوطة لا تعتبر جزءا من معزوفة إلا بتوفر شرط القدرة على توقع ما يليها، كذلك لا بمكن إدراكها بوصفها جزءا من المعزوفة إلا إذا توفرت القدرة على استحضار النوطات التي سبقتها على الفور. وفي حال عدم توفر هذا الشرط فسيكون من المستحيل إدراك ما يجري في الزمن.
وهكذا، وبالعودة إلى مفهوم الوعي الزمني أو القصدية ذات الأبعاد الزمنية الثلاث يكون سارتر قد وجد لأطروحته حول وحدة الوعي دعامة قوية. يقوم هذا الدليل على مصادرة أساسية مفادها أن الزمن الداخلي يتألف في الواقع من عدة لحظات مبثوثة فيه بشكل ضمني. والمقصود بذلك أن كل وعي ينطوي في ذاته على الوعي بالماضي الفوري في علاقته بالوعي بما يجري في اللحظة الراهنة وامتداداته نحو المستقبل. وهكذا تتحقق وحدة الوعي دونما حاجة إلى وجود الأنا المتعالي الذي يعتبره هوسرل وكانط الشرط الضروري لقيام تلك الوحدة.


(*) La Transcendence de l'Ego - Esquisse d'une description phénoménologique, Paris, Librairie Philosophique J.
     Vrin, 1992
Partager cet article
Repost0
1 janvier 2008 2 01 /01 /janvier /2008 23:04

التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
(الجزء الثاني)
2. الأنا المتعالي ومستويات الوعي في فلسفة سارتر
إن وجود الأنا المتعالي عند ديكارت كما عند هوسرل هو وجود بديهي ودائم الحضور على مستوى الوعي؛ يتوقف وجوده، إذن، على استمرارية التفكير. ذلك لأن الوعي المتجه نحو ذاته هو الذي أفرز الكوجيطو سواء عند ديكارت أو عند هوسرل. ولكن الكوجيطو لا يمثل سوى وجه واحد من أوجه الوعي في نظر سارتر؛ لقد بدت له تحليلات ديكارت وهوسرل لظواهر الوعي منقوصة ومحدودة للغاية، من حيث أنهما لم يتمكنا من التمييز في الوعي بين مختلف مستوياته؛ وأما سارتر فقد حاول التمييز فيه بين مستويين وهما:
أ- المستوى الأول من الوعي: وهو الوعي غير المفكَّر فيه أو الذي ينصب على غيره ولا ينصب على نفسه. فالوعي الذي يقول "أنا أفكر" ليس هو الوعي الذي يفكر أو الوعي العارف، ولذلك كان لابد من التمييز بين "الوعي المفكَّر فيه" والذي يمثل بالنسبة لسارتر المستوى الثاني من الوعي، و"الوعي الذي يفكر" (الوعي العارف) أو المستوى الأول من الوعي. يقول سارتر موضحا طبيعة المستوى الأول من الوعي:
"عندما أركض لركوب البميترو، وعندما أرقب الساعة، أو عندما يستغرقني التأمل في صورة أو لوحة، فليس هناك أنا. هناك وعي بميترو- يراد- ركوبه، الخ"
يمكن التمييز في إطار المستوى الأول من الوعي (=الوعي العارف) بين نوعين متعارضين من الموجودات وهما: الوجود المتعالي للظاهرة التي يعيش الفرد تجربتها، من جهة، ووجود الوعي القصدي من جهة أخرى. يقوم هذا التمييز من حيث المبدأ على تصور هوسرل للوعي باعتباره دائما وعيا بشيء ما، وهو ما يمكن تسميته أيضا بالوعي القصدي. وبناء على هذا التصور يبدو موضوع الفعل القصدي من زاوية نظر سارتر على أنه موضوع متعالي، بمعنى أنه يمتد إلى ما وراء الظاهرة التي يقدم نفسه للوعي من خلالها لاحتوائه على سلسلة مظاهرها التي تمتد من الماضي إلى المستقبل كما يدل على ذلك مثال النوطة الموسيقية التي لا تُدْرَكُ إلا من خلال استحضار ما كان قبلها وتوقع ما يأتي بعدها. ويدل مفهوم التعالي في هذا السياق أيضا على أن الموضوع يوجد خارج الوعي ولكنه يظل مع ذلك مرتبطا به باعتباره موضوع الفعل القصدي أو الموضوع الذي يتجه إليه الوعي.
ومع أن المستوى الأول من الوعي يبدو على أنه وعي تلقائي غير مُفَكَّر فيه، فإنه يحتاج مع ذلك، لكي يؤدي وظيفته المتمثلة في الإحاطة بالموضوعات الخارجية أو المتعالية، إلى أن يكون مرفوقا بنوع من الإدراك أو الوعي الخاص: فلكي يكون المرء على وعي بموضوع متعالي فلابد أن يعي بأنه على وعي، أو أن يعقل أنه يعقل حسب تعبير ابن سينا؛ ولابد أن تكون بنية هذا النوع من الوعي الذي هو وعي أو معرفة بالذات مختلفة عن بنية المعرفة بالموضوعات المتعالية، من حيث أن هذه الأخيرة تفترض وجود مسافة بين الوعي وموضوعه ولا تتحقق إلا من خلال التعالي، وأما المعرفة الذاتية فهي ليست معرفة بهذا المعنى، ومع ذلك احتفظ سارتر بمفهوم الوعي بالذات، وبرر ذلك بقوله:
"إن الشرط الضروري والكافي الذي يجعل من الوعي العارف معرفة بموضوعه هو الوعي بذاته بوصفه يمثل تلك المعرفة. [...] فإن لم يكن وعيي هو الوعي بكونه وعيا بالطاولة، فسيكون حينئذ وعيا بالطاولة من غير أن يكون على وعي بذلك. ويمكن القول بعبارة أخرى إنه سيكون وعيا جاهلا لذاته، عبارة عن لاوعي- وهو أمر غير معقول"
 ويتضح من هذا الدليل أنه لا مكان لبنية الأنا داخل المستوى الأول من الوعي (=الوعي غير المُفكَّر فيه)، ولذلك يظل وعيا فارغا خال من أي مضمون. لم بعد للأنا المتعالي إذن حضور على مستوى الوعي غير المُفكَّر فيه؛ يقول سارتر بهذا الصدد:
"عندما أقرأ، يكون هناك وعي بالكتاب، بأبطال الرواية، لكن الأنا لم تكن تسكن ذلك الوعي. كان وعيا بالموضوع فحسب، ولم يكن مطروحا كوعي لذاته"
فلو كان للأنا المتعالي حضور في المستوى الأول من الوعي لكان قد شطره وقسمه إلى أجزاء منفصلة عن بعضها البعض، وقضى على وحدته الجوهرية التي بدونها يستحيل الوعي بأي شيء كما أوضحنا ذلك آنفا. والنتيجة هي أنه يجب النظر إلى الأنا المتعالي على أنه موضوع كغيره من الموضوعات الأخرى المتعالية، ليس له حضور على مستوى الوعي.
ب- المستوى الثاني من الوعي: وهو الوعي المتجه نحو ذاته، أو الفعل القصدي الذي يجعل من نشاطه موضوعا له، ذلك الفعل الذي أفرز الكوجيطو الديكارتي والهوسرلي. إنه "نشاط فكري خالص": بتطابق فيه فعل التفكير مع الفعل المُفكَّر فيه، ويعرف الوعي من خلاله ذاته بوصفه كينونة داخلية مطلقة. وفي سياق هذه التجربة الوجودية الخالصة فقط يقدم الأنا نفسه للوعي باعتباره موضوعا متعاليا. وما يجعل ذلك ممكنا هو رغبة الوعي في أن يطرح نفسه كموضوع على الطريقة التي يطرح بها وعي "الغير". ويميز سارتر في المستوى الثاني بين نوعين من الوعي وهما: الوعي المفكِّر والوعي المفكَّر فيه. ويكتسي النوع الثاني من الوعي (= المفكَّر فيه) أهمية خاصة في إستراتيجية سارتر لإيجاد حل لمسألة وجود الأنا المتعالي.
لقد رفض سارتر أطروحة هوسرل التي تقول بأن الأنا المتعالي معطى بشكل بديهي في الوعي، بدعوى أن الـ"أنا أفكر" لا يقدم نفسه للوعي أو التفكير بوصفه الوعي المفكَّر فيه، ولكنه يُعطى من خلال الوعي المفكَّر فيه: ففي هذا الأخير نعثر على الأفعال القصدية noèses التي أصبحت أفعالا متعالية بفضل فعل التفكير، وتحولت فيه إلى موضوعات للوعي. وتأخذ الأفعال القصدية (المتجهة نحو موضوع معين) في إطار فعل التفكير شكل موضوعات نفسية متعالية وهي "الأحوال" و"الأفعال"  و"الصفات" التي تؤلف في مجموعها الأنا المتعالي.
 تؤلف الأفعال والأحوال النفسية في مجموعها الأنا المتعالي تماما مثلما تتشكل المعزوفة من سلسلة زمنية من النوطات على النحو المبين أعلاه. والمقصود بـ"الأحوال" في فلسفة سارتر تلك الموضوعات المتعالية التي تجمع في إطار تركيبة واحدة متعالية بين عدد لا حصر له من الأفعال الخاصة المتمثلة في ردود الفعل العاطفية-الوجدانية المفكر فيها نحو موضوع معين. يقول سارتر في شرحه لهذا الجانب من جوانب الأنا:
"أرى بيتر، أشعر بنوع من التشنج العميق والاشمئزاز والغضب عند رؤيته (وحتى هذه اللحظة لازلت في مستوى التأمل والتفكير): فالتشنج وعي. لا يمكن أن أكون مخطئا حين أقول: أشعر في هذه اللحظة باشمئزاز شديد تجاه بيتر. ولكن، هل تجربة الاشمئزاز هذه كراهية ؟ من الواضح أنها ليست كذلك. هذا إضافة إلى أنها ليست معطاة بوصفها كراهية. كرهت بيتر لمدة طويلة، وأعتقد أنني سأكرهه دائما في المستقبل. وبالتالي، فإن الوعي الفوري بالاشمئزاز يمكن أن لا يكون كراهية"
 
تتشكل "الأحوال"، إذن، من مجموع الظواهر النفسية الممتدة عبر الزمن trans-phenomenales: المتعالية بالنظر إلى الحالة الخاصة المعيشة هنا والآن؛ وتتجلى الأحوال المتعالية للوعي من خلال الانفعالات التي يعيشها الفرد في اللحظة الراهنة كالاشمئزاز والتشنج وغير ذلك. فإذا كنت تكره شخصا ما فإن حالتك النفسية المتمثلة في الكراهية سوف تتجلى لوعيك من خلال عدد كبير من ردود الفعل العاطفية-الوجدانية تجاه ذلك الشخص في لحظات مختلفة. ولسوف تتشكل الكراهية بوصفها حالة نفسية متعالية من خلال وعيك بنمطك السلوكي المطبوع بذلك النوع من الانفعالات. وعندما تتشكل هذه الحالة ستولد في نفسك نوعا من الاشمئزاز والقرف من ذلك الشخص كلما رأيته.
ويتألف "الفعل" action من سلسلة من الأفعال الصغيرة، وينشأ عنها مثلما تنشأ معزوفة البيانو عن سلسلة من حركات الأصابع وتتعالى عليها. لا يحصل الوعي في كل لحظة إلا بالأفعال الصغيرة أو الجزئية، وأما الفعل الشمولي الذي تؤلفه تلك الأفعال فإنه يبدو متعاليا على الوعي. وأما ما يجعل من الفعل الشمولي فعلا متعاليا فهو أن كل فعل من الأفعال يحتاج إلى زمن لكي يتحقق، ولا يمكن بالتالي لجميع الأفعال أن تتحقق دفعة واحدة. ولذلك يأخذ مفهوم التعالي هنا دلالة زمنية ويدل على أن الفعل الشمولي هو فعل عبر- زمني أو عبر- ظاهري trans-phenomenal نظرا لكونه يتجلى من خلال عدد كبير من التمظهرات المتوالية في الزمن؛ وهذا ما يجعل الفعل الشمولي مشابها للمعزوفة في كيفية تشكله، مثله في ذلك مثل الأحوال النفسية السابقة الذكر(الكراهية والحب وما إلى ذلك). وتمثل الأفعال والأحوال النفسية وقائع تتمتع بوجود حقيقي، وتقدم نفسها في العالم على طريقة الأشجار والكراسي وما على ذلك.
وإذا كانت الأفعال هي ما يجعل الأحوال تتجلى للوعي بوصفها موضوعات متعالية، فإن الأحوال تفصح عن نفسها من خلال مجموعة من الصفات. فإذا كان زيد يكره عمر ويكره يزيد وزينت ويحقد عليهم جميعا، قلنا عنه إنه رجل حقود. وهذا الحقد الذي يعتمل في نفسه لا يمثل خلاصة مواقفه من الآخرين فحسب، بل يمثل صفة من الصفات التي تفسر نزوعه إلى اتخاذ تلك المواقف.
ولكن الصفات لا تعتبر من العناصر الضرورية التي تقوم عليها وحدة الأنا، إذ يمكن تشكيل فكرة عن هذا الأخير دون استحضار صفاته، لأن هذه الصفات لا تندرج في تكوينه الفعلي على اعتبار أنها ليست شيئا قائما بذاته كما هو الحال بالنسبة للأحوال والأفعال، بحيث يمكن القول إن وجودها عرضي أو مزيف. ومما يترتب عن ذلك أن الدراسات السيكولوجية لـ"لأنا" (والأنا الآخر)، التي أصبح لها الآن وجود بين أشياء العالم باعتبارها موضوعا متعاليا يجب أن تراعي في تحقيقاتها المبادئ التالية:
§        أن للأنا وجود فعلي في العالم مثل وجود المعزوفة؛
§        وأنه يتشكل من الأفعال والأحوال النفسية مثلما تتشكل المعزوفة من النوطات المتعاقبة عبر الزمن؛
§        وأنه لا ينفصل عن الأفعال والأحوال كالمعزوفة التي لا تنفصل عن النوطات المتعاقبة؛
§        وأن الأفعال والأحوال لا تأتي كنتيجة للأنا كما أن النوطات لا تأتي كنتيجة للمعزوفة؛
§        وأنه لا يمكن الإحاطة معرفيا بالأنا إلا بشكل تقريبي عن طريق التخمين انطلاقا من الأفعال والأحوال، فكما أن معرفتنا بالمعزوفة لا تتم إلا من خلال سماع متوالية من النوطات، كذلك فإن معرفتنا بالأنا لا تتحقق إلا من خلال الإحاطة بسلسلة الأفعال التي تتجلى من خلالها الأحوال.
§        ولكن هناك فرق بين معرفة المعزوفة ومعرفة الأنا: فبينما يكون من السهل سماع جميع النوطوات التي تتشكل منها المعزوفة، يكون من غير الممكن الإحاطة بكل فعل من الأفعال وبكل حالة من الحالات التي تندرج في تكوين الأنا. ولذلك تكون معرفتنا بالأنا دائما معرفة جزئية.
§        وأما الصفات (=كون المرء حقودا باغضا كارها لغيره) فليس لها وجود قائم بذاته، ولا يمكن اعتبارها سمات ثابتة.ولا يمكن القول بالتالي بأن السمات هي مصدر السلوك، وهو ما يدل عليه قول سارتر بأن الوجود (الذي يتجلى من خلال مجموعة من السلوكات) سابق على الماهية (التي تتشكل من بعض السمات الثابتة).
وخلاصة القول إن معرفة الأنا، التي تظل دائما نسبية، تستوجب الإحاطة بأحوال الشخص وأفعاله التي يعتبر وجودها وجودا قائما بذاته. وأما الصفات أو السمات التي تبدو على أنها ثابتة (المزاج)  فإنها لا تساعد على معرفة سلوك الفرد وفهمه طالما أنه ليس لها وجود فعلي أو قائم بذاته، وطالما أن وجودها عرضي أو مزيف. فلا يمكن القول مثلا إن زيد يحقد على عمر ويكرهه بسبب أن زيد رجل حقود على العموم، أو أن الكراهية صفة ثابتة من صفاته، ولما كانت العلاقات السببية في نظر سارتر لا تكون إلا بين الأشياء التي لها وجود فعلي قائم بذاته، فإنه يتعين دراسة السلوك البشري بصرف النظر عن الصفات أو السمات أو المزاج. فلو كان السلوك يتحدد بالمزاج وسماته لما كان هناك مجال للحرية، ولكان الإنسان خاضعا بشكل مطلق لحتمية بيولوجية موروثة.
Partager cet article
Repost0
22 novembre 2007 4 22 /11 /novembre /2007 20:31
De l’importance de la ponctuation
Ahmed AGHBAL
 
Y a-t-il une relation entre la ponctuation et le niveau de développement de la structure des réponses aux questions d’examen ? On entend par développement de la structure des réponses le degré de structuration et de cohérence de celles-ci . Les réponses peuvent être non structurées, structurées autour d’un seul élément ou de plusieurs éléments, relationnelle ou abstraite. Le niveau de développement de la structure des réponses reflète le degré de compréhension de la matière enseignée.
Le degré de structuration des réponses a été évalué à l’aide de la taxonomie de Biggs et Collis connue sous le nom : « The Structure of Observed Learning Outcome » (SOLO)(*).
Voici quelques éléments de réponse à la question posée 

Les réponses observées
SOLO-1.JPG 
Relation entre la ponctuation et la
structure des réponses
 SOLO-2.JPG

SOLO-3.JPG
R = 0.43 , P < 0.01
 
 
(*) Biggs, J.B.& Collis, K.F.(1982). Evaluating the quality of learning:  The SOLO taxonomy. Sydney: Academic Press.
 
Partager cet article
Repost0
9 novembre 2007 5 09 /11 /novembre /2007 18:30

 

نظريات النمو المعرفي والتعلم لدى فيكوتسكي والفيكوتسكيون الجدد
أحمد أغبال
 مساهمة فيكوتسكي Vygotsky
كان فيكوتسكي من أوائل الباحثين الذين أكدوا على أن تفاعل الطفل مع الآخرين، وخاصة الراشدين منهم، يلعب دورا أساسيا في تشكل البنية العقلية ويحدد طريقة اشتغالها. فهو يرى أن الوظائف العقلية العليا تتشكل تدريجيا عبر سلسلة من التفاعلات الاجتماعية. يرتكز هذا التصور على مصادرة مفادها أن شروط النمو العقلي وآلياته توجد خارج الفرد، في محيطه الاجتماعي-الثقافي. ويتحقق النمو من خلال مشاركة الفرد في مختلف الأنشطة الاجتماعية-الثقافية،ومن خلال استعماله للوسائل والأدوات التي يوفرها له المحيط الثقافي. هذه هي الأطروحة المركزية التي دافع عنها فيكوتسكي. وأما فيما يتعلق بالجانب المنهجي فإنه جعل من النشاط الاجتماعي الوحدة الأساسية في التحليل.
يميز أتباع فيكوتسكي في الأنشطة الاجتماعية بين ثلاث مستويات. هناك المستوى الشكلي الذي يمثل فيها الجانب النسقي المنمط الذي تحكمه مع ذلك بنية دينامية تنمو وتتغير. تكمن وظيفة هذا النسق في توجيه سلوك الفرد. ومن أمثلة ذلك طريقة تنظيم الأنشطة الدراسية. إن تنظيمها على نحو ما يجعل منها أنشطة منمطة تحدد نظرة الفرد إلى التعلم والأداء، وتحدد مقدار ما يرجع إليه من المسؤولية. يمثل هذا المستوى الإطار الاجتماعي-الثقافي الذي يجري فيه الفعل الموجه نحو تحقيق هدف معين، وهذا الفعل هو الذي يمثل المستوى الثاني. يتميز الفعل action عن النشاط activity من حيث أن الأول قد يتغير بينما يظل الثاني ثابتا نسبيا. وقد يستعمل الفعل الواحد كوسيلة لتحقيق أنشطة وأهداف متنوعة. وأما المستوى الثالث فيتعلق بإجرائية الأهداف وترجمتها إلى سلوك ملموس. تتميز الأفعال عن الإجراءات من حيث أن الأفعال ترتبط بالأهداف بينما ترتبط الإجراءات بالشروط التي تتحقق الأهداف في ظلها. يدل مفهوم الأجرأة على كيفية إنجاز الفعل في ظل ملابسات ظرفية معينة. إن ما يميز الإجراءات هو تغيرها تبعا لتغير الظروف التي يسعى الفرد في ظلها إلى تحقيق نفس الهدف.
ينطبق مفهوم النشاط على الفرد كما ينطبق على الجماعة. فهو مفهوم اجتماعي ذو دلالة مزدوجة. تشير دلالته الأولى إلى مضمونه الاجتماعي-الثقافي، ويدل من جهة أخرى على التفاعل الاجتماعي. يمثل النشاط بمعناه الأول السياق الذي يحيط بعملية التفاعل. عندما يشارك الطفل في نشاط اجتماعي معين يحصل بينه وبين الراشدين تفاعل، ويعمل هؤلاء على تنظيم عملية التفاعل وفقا لما تمليه الأنماط الاجتماعية-الثقافية، ويستبطن الطفل مقولاتها فتتشكل بالتالي الوظائف العقلية العليا تدريجيا. «تظهر كل وظيفةمن الوظائف العقليةللطفلخلال نموه الثقافي مرتين: على المستوى الاجتماعي أولا، وعلى مستوى الفرد بعد ذلك. تظهر في البداية بين الأفراد (كمقولة بين-ذاتية interpsychological)، وتظهر بعد ذلك داخل الفرد (كمقولة ذاتية intrapsychological ). ينطبق هذا سويا علىكل منالانتباه الإرادي، والذاكرة المنطقية، وعلى تشكل المفاهيم. إن جميع الوظائف العقلية العليا تنشأ عن التفاعل الفعلي بين الأفراد»Vygotsky, 1978, p. 57) ).تتشكل بنية الطفل العقلية وتنمو من خلال تفاعله مع الراشدين، توجد مقولاتها في المحيط الاجتماعي-الثقافي، وعندما يحتك الطفل بمحيطه يستبطنها وتنتقل إلى الداخل.
أجرى فيكوتسكي تجارب عديدة على الأطفال للتأكد منصحةنظريته.ولعل من أبرز التجارب التي دعمت أطروحته وبينت بوضوح الطبيعة الاجتماعية للتعلم والنمو المعرفي تلك التي تناول فيها موضوع الذاكرة. لقد حاول أن يثبت أن الذاكرة ذات الوسائط mediated memory، التي تعتبرمنجملة الوظائف العقلية العليا وتعد بالتالي أكثر تطورا من الذاكرة الطبيعية التي لا تعتمد على الوسائط الثقافية، تظهر لدى الأطفال الذين تتاح لهم فرص التفاعل مع الراشدين المتمرسين. فخلال عملية التفاعل يكتشفون الوسائل التي تساعدهم على التذكر، فتحصل الطفرة في النمو، وينتقل الطفل من الذاكرة الطبيعية إلى الذاكرة التي تدعمها العناصر الثقافية المكتسبة. ولذلك يتوقع أن تظل قدرة الطفل على التذكر محدودة في غياب التفاعل مع ذوي الخبرة والقدرة العالية. تكتسي هذه الفكرة أهمية بالغة بالنسبة للمربين الذين يتعين عليهم أن يدركوا أن من واجبهم أن يشاطروا المتعلمين خبرتهم ومعارفهم.
لاحظ فيكوتسكي أن الأطفال الذين يجدون صعوبة في إنجاز بعض المهام غالبا ما يتمكنون من إنجازها عندما يشتغلون تحث إشراف الراشدين وتوجيههم. وذهب إلى القول: «إن ما يقوم به الأطفال بمساعدة الآخرين ربما كان أكثر دلالة على مستوى نموهم العقلي مما يمكنهم القيام به بدون أية مساعدة»(Vygotsky, 1978, p. 85)؛ ذلك لأن المهارات التي يوظفها الطفل بطريقة مستقلة هي المهارات التي تشكلت بالفعل في وقت سابق وأصبحت ناضجة، إنها «ثمرة» النمو السابق. تمثل هذه المهارات ما يسميه فيكوتسكي مستوى النمو الفعلي actualdevelopmental level . إن معرفة هذا المستوى لا ينبئنا بالتطور الممكن في المستقبل. وأما المهارات التي لا تتحقق إلا بمساعدة الراشدين أو الزملاء المتفوقين فهي تلك التي ما زالت في طور التشكل أو في طريق الانتقال من الخارج إلى الداخل، حيث يتوقع أن يستبطنها الطفل في المستقبل القريب. إنها "زهرة " النمو التي تبشر بالثمار على حد قوله. تدل المهارات السائرة في الطريق نحو النضج على مستوى النمو الممكن level of potential development. وأما المسافة التي تفصل مستوى النمو الممكن عن مستوى النمو الفعلي فهي التي تمثل ما يسميه فيكوتسكي منطقة النمو القريب المدى zone of proximaldevelopment. هكذا، فإن تقدير قدرات الأطفال لا ينحصر في معرفة ما يستطيعون القيام به في الحاضر، ولكنه يتعدى ذلك إلى ما يمكنهمإنجازهفي المستقبل القريب. إن المهام التي ينجزونها اليوم بمساعدة الغير هي المهام التي سينجزونهافي المستقبلبالاعتماد على أنفسهم.
ألح فيكوتسكي كثيرا على أهمية مفهوم منطقة النمو القريب المدى على المستويين النظري والمنهجي، ودعا الباحثين والمربين إلى استعماله من أجل تشخيص مشكلات التربية والتعليم وتقويم الأداء. تكمن أهميته في كونه يأخذ بعين الاعتبار القدرات والمهارات التي تشكلت ونضجت والقدرات والمهارات التي توجد في طور التشكل. بينما كانت أساليب التقويم واختبارات الذكاء تهتم بالقدرات الناضجة وحدها. لا تخبرنا هذه التقنيات بمدى قدرة الفرد على الاستفادة من التعليم والتلقين وبإمكانيات النمو في المستقبل القريب. أكد فيكوتسكي أن الأطفال الذين يشكلون فئة متجانسة من حيث مستوى نموهم العقلي تكون قدراتهم على التعلم والاستفادة من التلقين متباينة. لذلك تختلف سيرورة التعلم وإيقاعها من فرد إلى آخر. يمكن القول بعبارة أخرى إذا كانت مستويات النمو الفعلي متساوية فإنه غالبا ما تكون مستويات النمو الممكن متفاوتة لدى الأطفال.هناك فروق جوهرية بين الأفراد الذين ينتمون إلى نفس فئة العمر العقلي تعزى إلى متغير نطاق النمو القريب المدى لا تكشف عنها اختبارات الذكاء وأساليب التقويم التي تهتم بقياس القدرات الثابتة والمهارات التي أفرزها التعلم السابق. هذا بالإضافة إلى أنها لا تمكننا من التمييز بين فئة الأطفال من المتعثرين الذين يعانون من صعوبات التعلم  learning-disabled وفئة الأطفال المتخلفين عقليا retarded children. إن القاسم المشترك بين هاتين الفئتين هو انخفاض مستوى الأداء الفعلي. وما يميز فئة المتعثرين عن فئة المتخلفين عقليا هو أنهم يمتلكون قدرة أكبر على الاستفادة من التلقين. إن أساليب التقويم الستاتيكية لا تكشف لنا عن مواقع الفروق بين الأفراد.
كان من نتائج انتشار أساليب التقويم التي تركز على القدرات الثابتة أن ساد الاعتقاد بأن النضج عامل أساسي في التعلم، وأنه يجب مراعاة مستوى نمو الأفراد ونضجهم في بناء المنهاج الدراسي. وقف فيكوتسكي ضد هذا الاعتقاد الذي أصبح رغم تحذيره القاعدة العريضة لوضع المناهج والبرامج الدراسية، وبين مخاطره بالنسبة لتعليم الأطفال المتخلفين عقليا والأطفال العاديين على حد سواء. لقد كان الاعتقاد السائد هو أن الأطفال المتخلفين عقليا ليسوا مؤهلين للتفكير المجرد. يترتب عن هذا الاعتقاد اعتقاد آخر وهو أن أنسب المناهج لتعليمهم هي المناهج الحسية-الحركية. يرى فيكوتسكي أن هذه المناهج لا تساعد الأطفال على تجاوز إعاقتهم الفطرية، ولكنها تكرسها وتعززها، وتقضي على إرهاصات التفكير المجرد التي نلمسها لديهم، من خلال تعويدهم على التفكير الحسي-الحركي وحده. ويعتقد أنه من الممكن أن يتجاوزوا مرحلة التفكير الحسي-الحركي عن طريق المساعدة والدعم والتلقين. وأما التعليم الذي يخضع له الأطفال الأسوياء فهو تعليم متقهقر يتناسب مع القدرات والمهارات التي أفرزها النمو السابق، ولا يواكب السيرورة النمائية، ولا يعدهم للانتقال إلى المراحل النمائية الموالية. « وهكذا، فإن مفهوم نطاق النمو القريب المدى يمكننا من اقتراح وصفة جديدة وهي أن "التعلم الجيد" هو ذلك الذي يستبق النمو»Vygotsky 1978. P. 89)).
وخلاصة القول إن النمو لا يحصل بطريقة تلقائية كما يعتقد بياجي، ولكنه يتوقف إلى حد كبير على الفرص المتاحة للفرد للتفاعل مع الآخرين والاستفادة من خبراتهم ودعمهم. لا يفصل فيكوتسكي بين النمو العقلي والتعلم المدرسي، فهما يتبادلان التأثير قيما بينهما. فكما أن مستوى النمو العقلي يحدد القدرة على التعلم كذلك يساعد التعلم على النمو. إن عملية التعلم المنفتحة بالضرورة على العالم الخارجي تتحول، من خلال استبطان الفرد للمقولات التي تبلورت في المحيط، إلى عملية من العمليات النمائية الداخلية. فهو وإن كان يميز بين عملية التعلم وعملية النمو العقلي إلا أنه يؤكد على وحدتهما وعلى إمكانية تحول إحداهما إلى الأخرى. إن المهارات التي يكتسبها الفرد من خلال تفاعله مع الآخرين تدمج في بنية المهارات التي تشكلت من قبل وتنشأ عن ذلك بنية عقلية جديدة أكثر تعقيدا. كما أن البنية الجديدة تساعده على اكتساب مهارات أكثر تطورا. هناك إذن علاقة جدلية بين النمو والتعلم.
على الرغم من خصوبة هذه النظرية فإن نظرية بياجي حجبتها لمدة طويلة لأسباب أيديولوجية، خاصة  وأن فيكوتسكي بنى نظريته على بعض المبادئ العامة التي استمدها من الفلسفة الماركسية. ولم يشرع الباحثون الغربيون في جني ثمار هذه النظرية من الناحية الأكاديمية والعملية إلا في العقدين الأخيرين من القـرن العشريـن. وظهرلـه في الغربأتباع كثيرون  يطلق عليهم اسم "الفيكوتسكيون الجدد" neo-Vygotskians، واعتبر واحدا من المؤسسين الأوائل لعلم النفس الاجتماعي المعرفي الذي بدأ يفرض نفسه بقوة في الساحة العلمية خلال السنين الأخيرة.
Partager cet article
Repost0
9 septembre 2007 7 09 /09 /septembre /2007 20:29

رسم بياني يوضح نظرية المعرفة عند ابن سينا

Syst--me-cognitif.jpg 

أحمد أغبال

 

 

Partager cet article
Repost0
8 novembre 2006 3 08 /11 /novembre /2006 00:52
الحب والحياة
مختارات من الشعر الأمازيغي


لشاعرمجهول
ترجمة أحمد أغبال

هل يوجد حب مجاني؟
هل يهب المرء قلبه عشوائيا
وهو معصوب العينين
اخرجي من مخبئك
كي أعرفك
***
أحبك
ولا شيء يجبرني على الرحيل
قبل أن أنال منك قبلة
وأشفي غليلي
الخيل لا تركض إن لم تنل
من القوت نصيبها
***
وددت أن تكوني في بيتي
يا حبيبتي
ما قيمة قطعان الغنم ؟
حصاني الرمادي وأنت
هذا يكفيني
***
يطو.. يا يطو
لو كان للعالم الخلود
لكان حبك أيضا أبديا
ولكن الثروة خدعة
وإن كانت ترضينا أحيانا
***
سعيد هو من يزرع الشاي
على ظهر حصانه
وفي الوسط النعناع
ويسكن الحبيبة في الحقيبة
Partager cet article
Repost0

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens