Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
9 novembre 2007 5 09 /11 /novembre /2007 18:30

 

نظريات النمو المعرفي والتعلم لدى فيكوتسكي والفيكوتسكيون الجدد
أحمد أغبال
 مساهمة فيكوتسكي Vygotsky
كان فيكوتسكي من أوائل الباحثين الذين أكدوا على أن تفاعل الطفل مع الآخرين، وخاصة الراشدين منهم، يلعب دورا أساسيا في تشكل البنية العقلية ويحدد طريقة اشتغالها. فهو يرى أن الوظائف العقلية العليا تتشكل تدريجيا عبر سلسلة من التفاعلات الاجتماعية. يرتكز هذا التصور على مصادرة مفادها أن شروط النمو العقلي وآلياته توجد خارج الفرد، في محيطه الاجتماعي-الثقافي. ويتحقق النمو من خلال مشاركة الفرد في مختلف الأنشطة الاجتماعية-الثقافية،ومن خلال استعماله للوسائل والأدوات التي يوفرها له المحيط الثقافي. هذه هي الأطروحة المركزية التي دافع عنها فيكوتسكي. وأما فيما يتعلق بالجانب المنهجي فإنه جعل من النشاط الاجتماعي الوحدة الأساسية في التحليل.
يميز أتباع فيكوتسكي في الأنشطة الاجتماعية بين ثلاث مستويات. هناك المستوى الشكلي الذي يمثل فيها الجانب النسقي المنمط الذي تحكمه مع ذلك بنية دينامية تنمو وتتغير. تكمن وظيفة هذا النسق في توجيه سلوك الفرد. ومن أمثلة ذلك طريقة تنظيم الأنشطة الدراسية. إن تنظيمها على نحو ما يجعل منها أنشطة منمطة تحدد نظرة الفرد إلى التعلم والأداء، وتحدد مقدار ما يرجع إليه من المسؤولية. يمثل هذا المستوى الإطار الاجتماعي-الثقافي الذي يجري فيه الفعل الموجه نحو تحقيق هدف معين، وهذا الفعل هو الذي يمثل المستوى الثاني. يتميز الفعل action عن النشاط activity من حيث أن الأول قد يتغير بينما يظل الثاني ثابتا نسبيا. وقد يستعمل الفعل الواحد كوسيلة لتحقيق أنشطة وأهداف متنوعة. وأما المستوى الثالث فيتعلق بإجرائية الأهداف وترجمتها إلى سلوك ملموس. تتميز الأفعال عن الإجراءات من حيث أن الأفعال ترتبط بالأهداف بينما ترتبط الإجراءات بالشروط التي تتحقق الأهداف في ظلها. يدل مفهوم الأجرأة على كيفية إنجاز الفعل في ظل ملابسات ظرفية معينة. إن ما يميز الإجراءات هو تغيرها تبعا لتغير الظروف التي يسعى الفرد في ظلها إلى تحقيق نفس الهدف.
ينطبق مفهوم النشاط على الفرد كما ينطبق على الجماعة. فهو مفهوم اجتماعي ذو دلالة مزدوجة. تشير دلالته الأولى إلى مضمونه الاجتماعي-الثقافي، ويدل من جهة أخرى على التفاعل الاجتماعي. يمثل النشاط بمعناه الأول السياق الذي يحيط بعملية التفاعل. عندما يشارك الطفل في نشاط اجتماعي معين يحصل بينه وبين الراشدين تفاعل، ويعمل هؤلاء على تنظيم عملية التفاعل وفقا لما تمليه الأنماط الاجتماعية-الثقافية، ويستبطن الطفل مقولاتها فتتشكل بالتالي الوظائف العقلية العليا تدريجيا. «تظهر كل وظيفةمن الوظائف العقليةللطفلخلال نموه الثقافي مرتين: على المستوى الاجتماعي أولا، وعلى مستوى الفرد بعد ذلك. تظهر في البداية بين الأفراد (كمقولة بين-ذاتية interpsychological)، وتظهر بعد ذلك داخل الفرد (كمقولة ذاتية intrapsychological ). ينطبق هذا سويا علىكل منالانتباه الإرادي، والذاكرة المنطقية، وعلى تشكل المفاهيم. إن جميع الوظائف العقلية العليا تنشأ عن التفاعل الفعلي بين الأفراد»Vygotsky, 1978, p. 57) ).تتشكل بنية الطفل العقلية وتنمو من خلال تفاعله مع الراشدين، توجد مقولاتها في المحيط الاجتماعي-الثقافي، وعندما يحتك الطفل بمحيطه يستبطنها وتنتقل إلى الداخل.
أجرى فيكوتسكي تجارب عديدة على الأطفال للتأكد منصحةنظريته.ولعل من أبرز التجارب التي دعمت أطروحته وبينت بوضوح الطبيعة الاجتماعية للتعلم والنمو المعرفي تلك التي تناول فيها موضوع الذاكرة. لقد حاول أن يثبت أن الذاكرة ذات الوسائط mediated memory، التي تعتبرمنجملة الوظائف العقلية العليا وتعد بالتالي أكثر تطورا من الذاكرة الطبيعية التي لا تعتمد على الوسائط الثقافية، تظهر لدى الأطفال الذين تتاح لهم فرص التفاعل مع الراشدين المتمرسين. فخلال عملية التفاعل يكتشفون الوسائل التي تساعدهم على التذكر، فتحصل الطفرة في النمو، وينتقل الطفل من الذاكرة الطبيعية إلى الذاكرة التي تدعمها العناصر الثقافية المكتسبة. ولذلك يتوقع أن تظل قدرة الطفل على التذكر محدودة في غياب التفاعل مع ذوي الخبرة والقدرة العالية. تكتسي هذه الفكرة أهمية بالغة بالنسبة للمربين الذين يتعين عليهم أن يدركوا أن من واجبهم أن يشاطروا المتعلمين خبرتهم ومعارفهم.
لاحظ فيكوتسكي أن الأطفال الذين يجدون صعوبة في إنجاز بعض المهام غالبا ما يتمكنون من إنجازها عندما يشتغلون تحث إشراف الراشدين وتوجيههم. وذهب إلى القول: «إن ما يقوم به الأطفال بمساعدة الآخرين ربما كان أكثر دلالة على مستوى نموهم العقلي مما يمكنهم القيام به بدون أية مساعدة»(Vygotsky, 1978, p. 85)؛ ذلك لأن المهارات التي يوظفها الطفل بطريقة مستقلة هي المهارات التي تشكلت بالفعل في وقت سابق وأصبحت ناضجة، إنها «ثمرة» النمو السابق. تمثل هذه المهارات ما يسميه فيكوتسكي مستوى النمو الفعلي actualdevelopmental level . إن معرفة هذا المستوى لا ينبئنا بالتطور الممكن في المستقبل. وأما المهارات التي لا تتحقق إلا بمساعدة الراشدين أو الزملاء المتفوقين فهي تلك التي ما زالت في طور التشكل أو في طريق الانتقال من الخارج إلى الداخل، حيث يتوقع أن يستبطنها الطفل في المستقبل القريب. إنها "زهرة " النمو التي تبشر بالثمار على حد قوله. تدل المهارات السائرة في الطريق نحو النضج على مستوى النمو الممكن level of potential development. وأما المسافة التي تفصل مستوى النمو الممكن عن مستوى النمو الفعلي فهي التي تمثل ما يسميه فيكوتسكي منطقة النمو القريب المدى zone of proximaldevelopment. هكذا، فإن تقدير قدرات الأطفال لا ينحصر في معرفة ما يستطيعون القيام به في الحاضر، ولكنه يتعدى ذلك إلى ما يمكنهمإنجازهفي المستقبل القريب. إن المهام التي ينجزونها اليوم بمساعدة الغير هي المهام التي سينجزونهافي المستقبلبالاعتماد على أنفسهم.
ألح فيكوتسكي كثيرا على أهمية مفهوم منطقة النمو القريب المدى على المستويين النظري والمنهجي، ودعا الباحثين والمربين إلى استعماله من أجل تشخيص مشكلات التربية والتعليم وتقويم الأداء. تكمن أهميته في كونه يأخذ بعين الاعتبار القدرات والمهارات التي تشكلت ونضجت والقدرات والمهارات التي توجد في طور التشكل. بينما كانت أساليب التقويم واختبارات الذكاء تهتم بالقدرات الناضجة وحدها. لا تخبرنا هذه التقنيات بمدى قدرة الفرد على الاستفادة من التعليم والتلقين وبإمكانيات النمو في المستقبل القريب. أكد فيكوتسكي أن الأطفال الذين يشكلون فئة متجانسة من حيث مستوى نموهم العقلي تكون قدراتهم على التعلم والاستفادة من التلقين متباينة. لذلك تختلف سيرورة التعلم وإيقاعها من فرد إلى آخر. يمكن القول بعبارة أخرى إذا كانت مستويات النمو الفعلي متساوية فإنه غالبا ما تكون مستويات النمو الممكن متفاوتة لدى الأطفال.هناك فروق جوهرية بين الأفراد الذين ينتمون إلى نفس فئة العمر العقلي تعزى إلى متغير نطاق النمو القريب المدى لا تكشف عنها اختبارات الذكاء وأساليب التقويم التي تهتم بقياس القدرات الثابتة والمهارات التي أفرزها التعلم السابق. هذا بالإضافة إلى أنها لا تمكننا من التمييز بين فئة الأطفال من المتعثرين الذين يعانون من صعوبات التعلم  learning-disabled وفئة الأطفال المتخلفين عقليا retarded children. إن القاسم المشترك بين هاتين الفئتين هو انخفاض مستوى الأداء الفعلي. وما يميز فئة المتعثرين عن فئة المتخلفين عقليا هو أنهم يمتلكون قدرة أكبر على الاستفادة من التلقين. إن أساليب التقويم الستاتيكية لا تكشف لنا عن مواقع الفروق بين الأفراد.
كان من نتائج انتشار أساليب التقويم التي تركز على القدرات الثابتة أن ساد الاعتقاد بأن النضج عامل أساسي في التعلم، وأنه يجب مراعاة مستوى نمو الأفراد ونضجهم في بناء المنهاج الدراسي. وقف فيكوتسكي ضد هذا الاعتقاد الذي أصبح رغم تحذيره القاعدة العريضة لوضع المناهج والبرامج الدراسية، وبين مخاطره بالنسبة لتعليم الأطفال المتخلفين عقليا والأطفال العاديين على حد سواء. لقد كان الاعتقاد السائد هو أن الأطفال المتخلفين عقليا ليسوا مؤهلين للتفكير المجرد. يترتب عن هذا الاعتقاد اعتقاد آخر وهو أن أنسب المناهج لتعليمهم هي المناهج الحسية-الحركية. يرى فيكوتسكي أن هذه المناهج لا تساعد الأطفال على تجاوز إعاقتهم الفطرية، ولكنها تكرسها وتعززها، وتقضي على إرهاصات التفكير المجرد التي نلمسها لديهم، من خلال تعويدهم على التفكير الحسي-الحركي وحده. ويعتقد أنه من الممكن أن يتجاوزوا مرحلة التفكير الحسي-الحركي عن طريق المساعدة والدعم والتلقين. وأما التعليم الذي يخضع له الأطفال الأسوياء فهو تعليم متقهقر يتناسب مع القدرات والمهارات التي أفرزها النمو السابق، ولا يواكب السيرورة النمائية، ولا يعدهم للانتقال إلى المراحل النمائية الموالية. « وهكذا، فإن مفهوم نطاق النمو القريب المدى يمكننا من اقتراح وصفة جديدة وهي أن "التعلم الجيد" هو ذلك الذي يستبق النمو»Vygotsky 1978. P. 89)).
وخلاصة القول إن النمو لا يحصل بطريقة تلقائية كما يعتقد بياجي، ولكنه يتوقف إلى حد كبير على الفرص المتاحة للفرد للتفاعل مع الآخرين والاستفادة من خبراتهم ودعمهم. لا يفصل فيكوتسكي بين النمو العقلي والتعلم المدرسي، فهما يتبادلان التأثير قيما بينهما. فكما أن مستوى النمو العقلي يحدد القدرة على التعلم كذلك يساعد التعلم على النمو. إن عملية التعلم المنفتحة بالضرورة على العالم الخارجي تتحول، من خلال استبطان الفرد للمقولات التي تبلورت في المحيط، إلى عملية من العمليات النمائية الداخلية. فهو وإن كان يميز بين عملية التعلم وعملية النمو العقلي إلا أنه يؤكد على وحدتهما وعلى إمكانية تحول إحداهما إلى الأخرى. إن المهارات التي يكتسبها الفرد من خلال تفاعله مع الآخرين تدمج في بنية المهارات التي تشكلت من قبل وتنشأ عن ذلك بنية عقلية جديدة أكثر تعقيدا. كما أن البنية الجديدة تساعده على اكتساب مهارات أكثر تطورا. هناك إذن علاقة جدلية بين النمو والتعلم.
على الرغم من خصوبة هذه النظرية فإن نظرية بياجي حجبتها لمدة طويلة لأسباب أيديولوجية، خاصة  وأن فيكوتسكي بنى نظريته على بعض المبادئ العامة التي استمدها من الفلسفة الماركسية. ولم يشرع الباحثون الغربيون في جني ثمار هذه النظرية من الناحية الأكاديمية والعملية إلا في العقدين الأخيرين من القـرن العشريـن. وظهرلـه في الغربأتباع كثيرون  يطلق عليهم اسم "الفيكوتسكيون الجدد" neo-Vygotskians، واعتبر واحدا من المؤسسين الأوائل لعلم النفس الاجتماعي المعرفي الذي بدأ يفرض نفسه بقوة في الساحة العلمية خلال السنين الأخيرة.
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens