Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
17 octobre 2006 2 17 /10 /octobre /2006 00:09

أقدم للقارئ العربي الفصل السادس من كتاب لم ينشر بعد تحت عنوان

أضواء على تجربة الكتابة الإبداعية

لدى محمد شكري ومحمد برادة

من خلال تحليل رسائل الورد والرماد

أحمد أغبال

عندما قرأت رسائل »ورد ورماد« في صيف 2002 أغرتني بإنجاز هذه الدراسة، ولم يخطر ببالي حينئذ أن أتطرق لما كتبه المحللون والنقاد عن محمد شكري ومحمد برادة. ولما أنهيتها، في صيف 2003، طرحتها جانبا حيث ظلت ضائعة بين الملفات المهجورة، لأنني أنجزتها إرضاء لفضول شخصي أشعلت ناره الرسائل. وفي صيف 2005 اطلعت بمحض الصدفة على رسالة جامعية تقدمت بها الباحثة الأمريكية ملبورن ساندرا جون Milburn Sandra Jean لنيل دكتوراه الدولة بجامعة برنستون تناولت فيها بالدراسة والتحليل أعمال محمد شكري[1] .ونظرا لأهمية هذه الدراسة ولما بينها وبين الدراسة الحالية من نقط تقاطع واختلاف قررت أن أضيف فصلا آخر إلى هذه الدراسة أبسط فيه وجهة نظر أخرى في ضوء النتائج التي توصلت إليها. وتجدر الإشارة إلى أن رسائل »ورد ورماد« نشرت في الوقت الذي كانت الباحثة قد أشرفت فيه على إنهاء دراستها، ولذلك لم تتمكن من إدراجها ضمن النصوص التي شملها التحليل.
وإذا كان الحنين قد عاودني إلى هذه الدراسة تحت تأثير ساندرا ملبورن، فإنني ارتأيت هذه المرة إقامة جسر بيني وبين القارئ العربي من جهة، ومد جسر آخر بينه وبين الباحثة الأمريكية من جهة أخرى، ليتمكن من تشكيل تصوره الخاص عن الأديب المغربي الراحل من خلال الاطلاع على مختلف الآراء ومناقشتها.
هدفت الدراسة إلى تغيير الصورة السلبية التي تشكلت عن محمد شكري في كل من العالم العربي والعالم الغربي على حد سواء. لقد أرادت الباحثة الأمريكية أن تقدم لنا رؤية جديدة إلى أعمال الأديب المغربي من خلال تحليل سيرته الذاتية وقصصه القصيرة وأسلوبه الأدبي من أجل إبراز نظرته المتميزة إلى العالم وقلب الصورة النمطية الأحادية الجانب التي علقت به. تشكلت هذه الصورة في اعتقادها من خلال التركيز على الجوانب المثيرة في أعماله وتضخيمها وعزلها عن السياق العام الذي تستمد منه دلالتها الحقيقية إما لاعتبارات دينية، كما هم الحال في العالم العربي، وإما لعدم استيعاب نظرته المتميزة إلى العالم، كما هو الحال في العالم الغربي.
ففي العالم العربي تشكلت عنه صورة سلبية تحت تأثير الحملة الدعائية التي شنتها عليه التيارات الدينية المحافظة التي اتهمته بالفساد الروحي والأخلاقي لمجرد أنه تحدث عن الجنس بشكل مكشوف. وكذلك ساهم النقاد العرب في انتشار الصورة التي تظهره بمظهر الصعلوك المتطفل على الأدب لعجزهم عن استيعاب نظرته الجديدة إلى العالم وسوء فهمهم لأعماله.
وإذا كان بعض الكتاب العرب قد حاولوا إبراز طريقته غير المعهودة في الكتابة فإنهم لم ينظروا إليها في علاقتها بالطريقة غير العادية التي خضع لها في تنشئته الاجتماعية. وبدل أن يهتموا بإبراز الخصائص الحداثية في أسلوبه ركزوا على الجوانب الشكلية في أعماله، وأخذوا عليه خروجه على قواعد اللغة العربية وقوالب الأسلوب المتعارف عليه. ولم ينتبهوا إلى أن محمد شكري من طينة غير الطينة التي جبلوا منها. فإلى حدود الستينات من القرن الماضي كان جميع الكتاب من ذوي الشهرة في العالم العربي ينحدرون من شرائح المجتمع العليا والوسطى بما في ذلك اليساريون منهم من أمثال إدريس الشرايبي. وما كان بوسع هؤلاء الكتاب حين يلتفت بعضهم إلى شرائح المجتمع الدنيا إلا أن يصفوها بلغتهم المتخشبة كما تبدو لهم من الخارج وهم معلقون في أبراحهم العاجية. ومن دهاليز المجتمع السري وحثالته طلع عليهم الأديب الناشئ ناطقا باسم الفقراء والمهمشين من أبناء طبقته بصوته الفج المتقطع، ونبرته الثقيلة على الأذن، المخلة بالذوق الرفيع. وكان لابد أن تثير لغته الاستثنائية ردود فعل النقاد الذين ظلوا ينظرون إلى الشكل بمعزل عن المضمون وعن تجربته الرهيبة في الحياة. وبذلك ساهموا بدورهم في ترسيخ الصورة السلبية من خلال استهجان لغته دفاعا عن الأسلوب العربي الأنيق الذي يمنح لهم نوعا من الامتياز.
وكان من نتائج ذلك كله أن ضرب الحصار على الأديب المغربي الناشئ، ومنعت الحكومات العربية كتبه من التداول، ونددت به المؤسسات الثقافية وامتنعت العديد من دور النشر عن طبع أعماله تحت ضغط العناصر الإسلامية المحافظة، حتى إن الخميني سجل اسمه في قائمته السوداء وأصدر فتوى تقضي بهدر دمه. ولم يعد يقف إلى جانب شكري غير عدد قليل من المثقفين يعدون على رؤوس الأصابع في عالم تضافرت فيه مختلف القوى لإخماد صوته بطريقة رسمية أو غير رسمية.
وعلى الجانب الآخر نسج له بعض الكتاب الغربيين ممن ترجموا أعماله صورة لا تقل سلبية عن الصورة التي ألصقت به في العالم العربي. ويأتي الكاتب الأمريكي بول بوولز في مقدمة من أساء إلى سمعته في الغرب. ترى ساندرا ملبورن أن بول بوولز أساء ترجمة أعمال شكري وشوهها، مما أدى إلى تشكيل صورة فظيعة عن الأديب المغربي تظهره بمظهر الطفل المرعب والرجل العنيد المشاكس، والمغامر المتهور الذي تحركه الغرائز البدائية.
ومن الأخطاء التي ارتكبها بول بوولز، والتي أفرزت تلك الصورة السلبية، أنه تعامل مع شكري بنفس الطريقة التي تعامل بها مع الحكواتيين الأميين من أمثال محمد المرابط في إطار المشروع الجديد الذي أعده لجمع الحكايات الشعبية والذي شرع في تنفيذه منذ العام 1950. وكان قبل ذلك منشغلا بتدوين التراث الموسيقي المغربي. اكتشف بوولز الحكايات الشعبية فوقع تحت سحر الرواة الذين يرتجلون أغرب القصص في الساحات العمومية، وراح يجمعها ويدونها مثلما فعل مع التراث الموسيقي. وما لبث أن ركز اهتمامه على الحكواتيين الذين تربطه بهم علاقة شخصية، وتعامل مع أعمالهم بشكل جدي، وترجمها إلى اللغة الإنجليزية، وعرف بها في جميع أرجاء المعمور. آمن بوولز بأن مصدر القوة في أعمالهم يرجع إلى جهلهم بالقراءة والكتابة. ومع أن محمد شكري لم يكن أميا إلا أن بوولز أقحمه في مشروعه على نحو مصطنع، وبذلك ارتكب، في نظر ساندرا، خطأ فظيعا.
والحقيقة أن بوول بوولز لم يشتغل على النص الأصلي في عزلة الكاتب، ولكن الترجمة كانت شبه فورية، تمت بحضور شكري الذي كان يروي قصة حياته إما باللهجة الدارجة أو باللغة الأسبانية انطلاقا مما كتبه في عجالة عقب الصفقة التي عقدها مع الناشر والمترجم، إذ لم يكن قد كتب من »الخبز الحافي « حرفا واحدا قبل لقائه ببول بوولز. والملاحظ أن ساندرا ملبورن لم تشر إلى هذه المسألة في معرض حديثها عن الصعوبات التي واجهت المترجم، واكتفت بالقول إن الطريقة المعتمدة في الترجمة أفقرت النص الأصلي، وشوهت دلالاته، وحالت دون إبراز دقائق الأمور وخاصة ما تعلق منها بمقاصد الكاتب، ونظرته إلى العالم، وأسلوبه المتميز، وما ينطوي عليه هذا الأسلوب من تقنيات فنية كالتلميح والحذف الإيحائي وشروخ الصمت، الخ. وهكذا حولت الترجمة النص الأصلي إلى مجرد خطاب مستفز، وقزمت صاحبه، ونزعت عنه صفة الكاتب المقتدر.
وإذا كانت الترجمة قد شوهت صورة شكري في الغرب، كما تقول ساندرا ملبورن، فإنه يمكن أن نتساءل عما إذا كان شكري قد ذهب ضحية مؤامرة حيكت ضده، أم أن الضحية شاركت بدورها في ارتكاب تلك الخطيئة. نعتقد من جهتنا أن شكري ذهب ضحية الإستراتيجية الماكرة التي وضعها لتحقيق مجده الأدبي في أسرع وقت ممكن. وقع في فخه لما أخطأ في حساباته. تقول ساندرا ملبورن إن بوولز أخطأ عندما أدرج شكري في مشروعه، ولكن هذا الأخير هو الذي تربص به الفرص ليحشر نفسه فيه. تورط لما كذب على إدوار روديتي وزميله بوولز. يقول بهذا الصدد: »ادعيت أن سيرتي الذاتية كانت مكتوبة ولم أكن قد كتبت منها الجملة الأولى«. بهذه الكذبة فرض على نفسه دور الحكواتي. ألم يكن بوسعه أن ينهي الرواية قبل أن يعرضها على المترجم ويتركه وحيدا أمام مسؤوليته الأدبية ؟
لم يتح شكري لبوولز الفرصة للاطلاع على النص الكامل قبل الشروع في ترجمته. وإنه لمن الغريب حقا أن يتفادى بوولز مطالبة شكري بالنص الكامل للرواية. لا شك أنه تنبه إلى أن شكري لم يكن صادقا في قوله، فتركه على حاله، وفضل أن يتعامل مع أجزاء الرواية كلما خرج شيء منها إلى الوجود على عجل. وربما اختار التعامل مع شكري بهذه الطريقة رغبة منه في الحفاظ على تلقائية السرد وحيويته وفقا للمعايير التي أسس عليها مشروعه، من جهة، وعدم إتاحة الفرصة له للمراجعة والتشذيب والتنقيح، من جهة أخرى. لم يكن بوولز في حاجة إلى تشكيل فكرة عامة عن النص ولا إلى الإحاطة بمقاصده وتقنياته. إن ما كان يشغل باله في المقام الأول هو المضمون والتلقائية في سرد الوقائع والأحداث. ومما يدل على ذلك أن شهرة »الخبز الحافي «ظلت مرتبطة في ذهنه بمضمونها لا بجوانبها التقنية. صرح في حوار أجراه معه فليب رامي Philpp Ramy حين سأله عما إذا كانت »الخبز الحافي «لازالت تحتفظ بشهرتها:
»لقد استطاعت تلك الرواية أن تنفذ إلى ذلك النوع من التفاصيل التي لم يكن باستطاعة أي كاتب في هذا البلد [المغرب] أن ينفذ إليها. فالمؤلفات التي كانت موجودة في ذلك الوقت كانت أكثر أكاديمية، يعلب عليها الطابع الرومانسي. بالمقرنة مع شكري تجد أن سيرة أحمد الصفريوي مثلا هي سيرة معطرة. لم بتحدث فيها إلا عن الأشياء السارة [...]. وأما شكري فإنه عاش تجربة رهيبة في الحياة، وكتب عنها في "الخبز الحافي". أحببت واقعيته[2] «  
 إن ما يقصد بوولز بقوله إن السير الذاتية التي اشتهرت خلال فترة الستينيات والسبعينيات كان يغلب عليها الطابع الأكاديمي والرومانسي هو أنها كانت مصطنعة خالية من التلقائية والمباشرية. وأما سيرة شكري فإنها تستمد قيمتها من مضمونها الجديد وتلقائيتها ومباشريتها لا من العطر والزخرف. لا يختلف موقف بوولز من »الخبز الحافي «عن موقفه من »الغذاء العاري« لوليام بروز. يقول عن رواية بروز:
»أما فيما يخص "الغذاء العاري" (1951) فهذه رواية أعجبتني كثيرا، لكن لم تتركني في حالة حيرة. الكتاب أعجبني كثيرا بمضمونه. تقنيته ليست فريدة، فبإمكان أي أحد أن يكتب بالطريقة ذاتها « [3]
 
   يبدو أن بوولز كان مهووسا بمضمون الأعمال الفنية ولو كان ذلك على حساب الجوانب الشكلية والتقنية حتى ولو تعلق الأمر بالفنون التشكيلية. »إن القضية في نظره ليست قضية تقنية، بل هي قضية التوفر على وجهة نظر جديدة في الرسم. التقنية بالضبط ليس لها دور كبير تلعبه في عمل الفنان « (بوولز، حوار أجراه عبد العزيز جدير). وما يزيد من قيمة السير الذاتية في نظره هي التلقائية في سرد الوقائع. والظاهر أن ما دفعه إلى الإسراع بترجمة »الخبز الحافي «هي رغبته في تتبع مخاضها ونشأتها الفورية. لقد كتبت الحكاية على عجل وترجمت على الفور، ولم يتح المترجم لشكري أية فرصة للاسترجاع التأملي. ولعل ما ساعد على خروجها من الأحشاء على الهيأة التي نعرفها كثرة تناول الكاتب للفودكا »العسلية «التي وفر له منها المترجم ما يكفي لكسر الموانع والحواجز النفسية على امتداد فترة الكتابة كلها. يقول بوولز:
»أتذكر أن شكري خلال تلك الفترة وما بعدها كان يشرب هنا (مشيرا نحو بهو بيته) الفودكا، كان يجلبها لي روسي يدعى فيكتور[...]. كل قنينات الفودكا التي حملها إلي هنا شربها شكري. فقد وجد الفودكا رائعة وربما عسلية. مرات عديدة كان ينبطح، هنا، على الأرض، عاجزا عن الوقوف أو الذهاب. وكان ينام. كل زواري كانوا يقولون عن شكري: آه، عاد السكير« [4]
   وخلاصة القول إن رواية »الخبز الحافي «كتبت بطريقة مرتجلة وبكثير من التلقائية. إن هذه الخاصية هي التي شجعت بوولز على الاهتمام بها وترجمتها على الفور. يدل على ذلك قوله:
»إنني أميل إلى الاعتقاد بأن الأمية شرط أساسي [من شرو
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens