Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
10 octobre 2006 2 10 /10 /octobre /2006 01:26
محاولة لفهم كلمة البابا التي أثيرت حولها الضجة
أحمد أغبال
(الجزء الثالث)
قلنا بأن طوماس الأكويني كان في حاجة ماسة إلى العثور على القطعة المفقودة من البوزل ليستقيم البناء وتكتمل الصورة، ولعله وجد ضالته عند ابن سينا رغم كل شيء، فقد كان الشيخ الرئيس هو أول من أقام التمييز بين الماهية والوجود. كان طوماس الأكويني في حاجة إلى هذه التفرقة التي يتعذر بدونها إدراك العلاقة بين الموجودات المتناهية والموجود المطلق، وكذا الانتقال من معرفة العالم إلى معرفة الله عن طريق العقل: فإذا كانت الكائنات الطبيعية تولد وتفنى فإن معنى ذلك أن وجودها ليس ضروريا؛ وإذا كان ليس فيها ما يجعل وجودها ضروريا، فإنه لابد وأن هناك موجودا ضروريا بذاته هو الذي منحها الوجود، وذلك بأن نقلها من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالفعل. ولكن كيف تسنى لطوماس الأكويني ردم الهوة الأنطلوجية الفاصلة بين الوجود الممكن والوجود الضروري؟ يتعلق الأمر هنا بفعل الخلق وعلاقة الله بالعالم. وهنا وجد طوماس الأكويني نفسه مرة أخرى مضطرا للبحث عن مفهوم آخر أو حلقة أخرى لتركيب البوزل، ووجد ضالته في مفهوم المشاركة: إن المعقولات المرتبطة بالعالم الدنيوي هي أفكار كانت موجودة في الذات الإلهية منذ الأزل؛ فالمخلوقات تشارك الخالق في الوجود، فَللّه علم بالمخلوقات منذ الأزل، يعرفها بمجرد أن يتأمل ذاته؛ وفي المقابل يحصل العلم للمخلوقات بخالقها عندما تتأمل كمال الخلق؛ ولكن علمهم لا ينفذ إلى ذاته ولا يحيط بها، وإن كانوا يدركون أنه علة الموجودات جميعا. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجوز أن يكون للكلمات التي تستعمل للتعبير عن الصفات الإلهية نفس الدلالة التي تكون لها حين تستعمل لوصف الصفات البشرية.؛ إن الكلمة الواحدة لا تفيد نفس المعنى حين توظف في الحديث عن الله وعن المخلوقات: ليس هناك وحدة المعنى univocité بل تماثل analogie في نظر طوماس الأكويني؛ وبحكم هذا التماثل أمكن للإنسان أن يشكل فكرة عن الله دون أن يدعي الإحاطة بذاته. وهكذا، فإن علاقة الله بالعالم هي في نفس الوقت علاقة خلق ومشاركة وتماثل. وأما غاية الإنسان، في إطار هذا النسق الميتافيزيقي اللاهوتي، فهي السعادة التي لا تتحقق بالفعل إلا من خلال رؤية الله. وهنا تبدأ نظرية الأخلاق عند طوماس الأكويني.
يُجمع الدارسون على أن نسق أخلاق طوماس الأكويني كان نسقا فكريا كبيرا، ولكنه كان يعاني في نفس الوقت من عيب بحجم ضخامته: فقد كان نسقا منغلقا، من حيث أن تعاليمه كانت موجهة إلى جماعة الكاثوليك دون سواهم؛ فلا خلاص،إذن، إلا للمؤمنين(*).. يمكن للوثني أو العلماني أن يكون صاحب عقل وحكمة، ولكن امتلاك هذه الفضائل لن يشفع له حتى يعتنق عقيدة الخلاص. وهذا هو ما جعل البعض يعتقدون أن مفاتيح الأسرار الإلهية والخلاص لا توجد إلا بأيدي الكنيسة، وأن الذين وضعوا أنفسهم خارج الإيمان المسيحي هم في ضلال مبين، وذهبوا إلى حد المطالبة بإجبارهم على اعتناق الإيمان الصحيح؛ هذه، إذن، هي الخلاصة العملية المرعبة التي يمكن لأحدهم أن يستخلصها من مجرد التمييز بين الإيمان والعقل.
لم يبتعد طوماس الأكويني كثيرا عن أخلاق القديس أوغسطين، ولكنه حاول تهذيبها بأخلاق نيكوماخوس. ولتحقيق هذه المهمة أخذ بنظرية مراتب الوجود الأرسطية ونظر من خلالها إلى الكائنات فبدت له مرتبة من أقلها إلى أكثرها كمالا وهو الإنسان؛ ولكي يظل وفيا للقديس أوغسطين قسم نظام الكون وفقا لمعيار ديني إلى قسمين، وميز فيه بين مملكة الضرورة ومملكة الرحمة، وكان سلفه قد دأب على وضع كل ما يصدر عن الطبيعة في خانة الشر، وكل ما يرتبط بمملكة الرحمة في خانة الخير. ومع ذلك، نأى بنفسه عن هذا التمييز القاطع، وبدا له أن كل مخلوق ينطوي على شيء من الخير وشيء من الشر، ولذلك لزم التمييز بين المخلوقات حسب درجة الخير الموجودة فيها. ويرى طوماس الأكويني أن إرادة الله الشمولية اقتضت أن يكون الخلاص للإنسان، ولكن إرادته الخاصة اقتضت أن يعاقب على أفعاله الشريرة. وهنا يظهر التناقض بين مبدأ حرية الإرادة الإنسانية ومبدأ العناية الإلهية؛ يمكن الإفصاح أكثر عن هذا التناقض من خلال الصيغة التالية: إذا كان الله على علم مسبق بأفعالنا فلن نكون حينئذ أحرارا، وأما إذا كنا أحرارا فإننا سنتصرف على خلاف علمه المسبق وتوقعاته(*). وحاول حل هذه المعضلة بنوع من اللغو.  
تُظْهِرُ هذه المفارقةُ الطبيعةَ الانتقائية لفكر طوماس الأكويني، ومن حسناته أنه حاول الجمع بين الفضائل الدنيوية والفضائل الدينية، بين قيم الحكمة الإنسانية وقيم الحكمة الإلهية، ولكنه جعل الفضائل الدينية في مرتبة أسمى من الفضائل الإنسانية: فإذا كانت الفضائل الإنسانية تحقق للإنسان نوعا من السعادة في الحياة الدنيا فإنها غير كافية لنيل رضا الله والتمتع برؤيته. تبدو هذه الأطروحة على أنها سيف دو حدين، فيها وعد ووعيد: فقد يرى فيها البعض ما يبرر نمط العيش العلماني، وقد يرى فيها آخرون ما يبر سلطة الكنيسة المطلقة؛ ومهما يكن من أمر هذا وذاك فإنها لا تخلو من أسباب الانزلاق نحو العنف.
والحقيقة أن طوماس الأكويني نَفْسَهُ ظل وفيا للعقل مثلما ظل وفيا للإيمان، لم يخامره شك في أن التأمل العقلي فضيلة من الفضائل السامية حتى إنه ساوى بين العدالة والإحسان، ولم يفقد ثقته في الطبيعة الخيرة للإنسان؛ يتجلى ذلك بوضوح في موقفه من بعض النوازل التي ابتُلِيَ بها عصره والتي كان شاهدا عليها، ولسوف نكتفي باستعراض واحدة منها لما لها من صلة بمضمون كلمة البابا بنديكت السادس عشر، وهي المسألة المتعلقة بما إذا كان من الجائز تنصير أبناء اليهود من الأطفال ضدا على إرادة آبائهم. واختلف فقهاء الكنيسة حول هذه المسألة بين مؤيد يرى أنه من الواجب إنقاذ الأبناء من ضلال الآباء السادرين في غيهم، ومعارض يرى أن التنصير القسري مخالف لمبدأ العدالة الطبيعية. ويعتبر دونس سكوتوس من أقوى المؤيدين للرأي الأول، بينما برز طوماس الأكويني باعتباره أقوى المدافعين عن الرأي الثاني.
 لقد كان من السهل، بالقياس إلى معايير ذلك العصر، أن يدافع المفكر عن قرار التنصير القسري لأنه كان قرارا رسميا، وأما معارضته في ذلك الوقت فكانت تنطوي بلا شك على مجازفة ومخاطرة كبيرة. ولتشكيل فكرة واضحة بهذا الخصوص، يجدر بنا أن نلقي نظرة سريعة على ظروف العصر: ولعل أهم ما ميز التاريخ الاجتماعي-السياسي-الديني لأوروبا القرن الثالث عشر هو تنامي ظاهرة العداء لليهود وتهميشهم؛ ويتجلى ذلك من خلال إجبارهم على ارتداء ملابس تحمل إشارة صفراء تميزهم عن المسيحيين والسكن في أماكن خاصة بهم؛ ففي هذا القرن ظهر "الغيطو" ghetto أو الملاح؛ وفي عام 1269 دخل القرار الكنسي الصادر عام 1215 الذي يلزم اليهود بحمل الشارة المميزة حيز التنفيذ في فرنسا بأمر من الملك لويس التاسع. وتوجت الحملة المعادية لليهود في إنجلترا بطردهم خارج البلاد تنفيذا للقرار الذي اتخذه الملك إدوارد الثاني عام 1290.
في ظل هذا المناخ المثقل بتلك القرارات السياسية-الدينية، خرج طوماس الأكيني بموقفه الصريح المناوئ للتنصير القسري لأبناء اليهود؛ وليس من قبيل ألصدفة أن يتزامن إعلانه عن موقفه من هذه المسألة مع صدور قرار لويس التاسع القاضي بوضع القرار الكنسي لعام 1215 موضع التنفيذ. وأما حجته في ذلك فتستند قبل كل شيء على مبدأ العدالة الطبيعية. لقد أسس حُكْمَهُ على أساس القانون الطبيعي كما يتصوره أرسطو: فبما أن الطفل تربطه علاقة طبيعية بوالديه، وبما أنه يمثل امتدادا لهما بشكل من الأشكال، فإنه من الطبيعي أن يعيش في كنف أسرته، وينعم برعاية أهله كما لو كان في حضن روحاني إلى أن يبلغ سن الرشد. وأما قرار فصله عن أبويه من أجل تنصيره فهو قرار جائر ومخالف لمبدأ العدالة التي يضمنها القانون الطبيعي لجميع أفراد النوع البشري.وأما حجة دونس سكوتوس فهي حجة ذات طابع سياسي واضح لصلتها الوثيقة بتصوره لمراتب القدرة والسلطان؛ فهو يرفض الاستناد على مبدأ العدالة في إصدار الحكم في هذه النازلة بدعوى أن العدالة إذا كانت تمنع الإنسان العادي من فصل الابن عن أبويه ضدا على إرادتهما، فإنها لا تمنع الحاكم من ممارسة سلطته على رعاياه؛ ذلك لأن سلطته أعلى من سلطة الأبوين الكافرين باعتبارهما جزءا من رعيته(*).ترتكز حجة دونس سكوتوس، إذن، على مبدأ تراتب السلط الذي يعطي للأمير حق التصرف في الرعية. فلما كان من واجب الأمير أن يخضع لسلطة الله، ولما كان مكلفا بتنفيذ إرادة الله في الأرض، فإن من واجبه أن يفصل الأطفال عن آبائهم ليعلمهم الدين الصحيح، ومن واجب الآباء أن يمتثلوا لمشيئته، بسبب أن منزلته أسمى من منزلتهم. وأما طوماس الأكويني فإنه كان يعتقد جازما أن مبدأ تراتب القوى والسلطان لا يلغي مبدأ العدالة الطبيعية.
من الواضح أن تشبع طوماس الأكويني بالفلسفة الأرسطية هو ما جعله يعطي الأولوية لمبدأ العدالة الطبيعية في معالجته للنازلة في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها هو أنها غير مشجعة على اتخاذ مثل ذلك الموقف الإنساني العقلاني. وأما بخصوص دونس سكوتوس الذي جعل مبدأ السلطة فوق مبدأ العدالة، فإنه ليس بوسع المحلل إلا أن يتساءل عما إذا كان في مذهبه الفكري ما يستدعي استعمال القوة لإجبار الآباء على التنازل عن أبنائهم من أجل تلقينهم عقيدة أخرى. من المعلوم أن دونس سكوتوس كان مفكرا ذا نزعة سينوية واضحة؛ فهل تراه تشرب روح الاستبداد الشرقي التي تسربت إلى العالم الغربي مع أفكار ابن سينا ؟
هناك إذن ما يدعو إلى التنويه بطوماس الأكويني والتنبيه على ما ينطوي عليه فكر دونس سكوتوس من مخاطر الانزلاق نحو العنف والطغيان. وإذا كان القديس طوماس شخصية فذة ذات همة عالية وعبقرية ناذرة، إذا كان هو شخصيا يُعْلِي من قيمة الفرد ويضع كرامته فوق كل اعتبار، ويدعو إلى تحكيم العقل والاعتدال في كل شيء، فهل كان البناء النظري الذي شيده خاليا من كل ما من شأنه أن يدفع الآخرين إلى الانزلاق نحو العنف ؟ يتعلق الأمر هنا بالكيفية التي تم بها توظيف مذهب القديس طوماس الأكويني لمعالجة مختلف القضايا فيما بعد. يقول وودبريدج ريلي فيما يمكن اعتباره جوابا على هذا السؤال:
»لقد أخذ أتباع طوماس الأكويني بالجوانب القاتمة من فكره؛ فربطوا نظريته حول الطبيعة الإنسانية [الخيرة] بنظرية الوعد والوعيد: فإذا كان الإنسان يميل بطبعه إلى فعل الخير، فإنما يفعل ذلك مخافة الوقوع في فعل الشر في الحياة الدنيا؛ لذلك وجب ترهيبه باستمرار بأهوال يوم القيامة. وهكذا فَقَدَ الأتباع ثقتهم بالطبيعة الإنسانية ووضعوها في الترهيب؛ وبسبب ذلك وجدوا أنفسهم في وضعية يسهل عليهم فيها أن يكونوا قساة من أن يكونوا معتدلين، وأن يكونوا شرطة الأخلاق الماسكين بالهراوات من أن يكونوا فلاسفة يدعون للاحتكام للوعي والضمير« (*)
وكان أن استخدم الأتباع نظرية القديس للتمييز بين مختلف أنواع الشر، وجعلوا من البدع والإساءة إلى الدين أعظم الشرور وأكثرها أذى؛ وعلى أساس هذا الحكم قامت محاكم التفتيش التي استمدت شرعيتها، ويا لهول السخرية التاريخية، من مذهب القديس طوماس الأكويني.
بقي أن نكشف عن الصلة المحتملة بين نظرية دونس سكوتوس وموقفه من مسألة التنصير القسري لأبناء اليهود، لكي يتسنى لنا فهم موقف البابا بنديكت السادس عشر منه ومعرفة لماذا فضل الانحياز إلى طوماس الأكويني. يقول بهذا الصدد:
»تقتضي النزاهة أن نشير هنا إلى أنه خلال العصور الوسطى المتأخرة تنامت اتجاهات داخل اللاهوت قطعت أواصر الترابط بين الروح الإغريقية والروح المسيحية. وعلى خلافما سمى بالنزعة العقلانية الأوغسطينية والطوموية [نسبة إلى طوماس الأكويني]، نشأت مع دونس سكوتوس نزعةإرادوية تؤدي في نهاية المطاف إلى الاعتقاد بأننا قد لا نعرف من الله سوى إرادته غير المقيدة. voluntas ordinata. ووراء هذه الإرادة قد توجد حرية الله، التي بفضلها ربما قد يستطيع أن يخلق وأن يفعل عكس كل ما قام به بالفعل«
 ينطوي كلام البابا على تهمة الانحراف عن تقاليد اللاهوت المسيحي موجهة لدونس سكوتوس. ومن مظاهر الانحراف قوله أن إرادة الله مطلقة لا يقيدها شيء وأن سلطته مطلقة، وأن الله حر في أفعاله لا يتقيد فيها بضوابط العقل؛ ولما كانت الإرادة الإلهية تتمتع بحرية مطلقة فلا شيء يمكن أن يجبرها بالتالي على أن تسلك بطريقة عقلانية. ويعتقد دونس سكوتوس أيضا، على خلاف أسلافه، أن نظام الكون لا يصدر عن العقل الإلهي بل يخضع كل شيء فيه لإرادة الله المطلقة، وأن العقل البشري هو مجرد وسيلة مسخرة لخدمة الإيمان. وكما أن حرية الله مطلقة
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens