Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
27 juin 2008 5 27 /06 /juin /2008 19:44

مهنة التدريس

في مواجهة التنظيم البيروقراطي للتعليم

(الجزء الرابع)

أحمد أغبال

كان ماكس فيبر أحد المفكرين الأوائل الذين تنبهوا إلى هذه المشكلة، حيث بدا له أن "العقلنة تسير في اتجاه نمط عيش لاعقلاني" (أورده (Lowith, 1982. وعلق لويث عن مضمون العبارة التي نسبها إلى ماكس فيبر بقوله: إن المفارقة التي تنطوي عليها، والتي وصفها جورج زيمل بتراجيديا الثقافة، إنما تدل في الحقيقة على أن البيروقراطية، التي وضعت في الأصل لخدمة الإنسان، لا تخدم في الواقع إلا المؤسسات، وهي فكرة نجدها أيضا عند كارل ماركس. تدل هذه الأطروحة على أن للبيروقراطية وجه لا إنساني، لأنها تنقلب ضد الإنسان وتنزع منه إنسانيته، وتزج به في عوالم الغربة والاستلاب. كان ماكس فيبر على وعي بذلك كله، ولكنه لم يندد بالبيروقراطية كما فعل كارل ماركس، ولم يتجرأ حتى على اتخاذ موقف صريح من المشكلة الإنسانية الذي تلازمها، وحاول إضمار موقفه منها، ولذلك تولى لويت Lowith مهمة الإفصاح عن ذلك الموقف وصياغته بشكل واضح؛ وذهب إلى القول بأن ماكس فيبر قد يكون عبر عن موقفه بطريقة غير مباشرة من خلال فقرة اقتبسها في بعض كتاباته من ديوان بودلير Baudelaire  "أوهار الشر" Les fleurs du mal يقول فيها: يمكن لشيء ما أن يكون مقدسا لا لكونه جميل فحسب، ولكن لكونه غير جميل أيضا. دافع ماكس فيبر عن هذه الفكرة بالاستناد إلى آيات الإنجيل وأقوال نسبها إلى نتشه، وانتهى إلى القول بأن شيئا ما يمكن أن يكون حقا حتى وإن كان غير جميل ولا مقدس ولا خير. إنه التعبير في نظره عن الطبيعة اللاعقلانية للأخلاق السائدة في هذا العالم. تنطوي الأخلاق على شيء غير معقول، وهي فكرة لا تتحمل بالنسبة للذين يؤمنون بالقيم الأخلاقية المطلقة. والواقع أنه لو كان الخير يأتي من الخير، وكان الشر ينبع من الشر، لما أثارت السياسة باعتبارها ميلا طبيعيا في الإنسان أية مشكلة.

إن ما يبرر السياسة إذن هي البعد اللاعقلاني لوجود الإنسان. فلولا الطبيعة المتناقضة للواقع الإنساني لما كان الناس في حاجة إلى السياسة. ومعنى ذلك أن الوظيفة الأساسية للأنظمة السياسية تكمن في تدبير الأمور اللاعقلانية، وتلطيفها، وتخفيف عبئها، ليتحملها الناس ويتكيفون معها، ويعيشون مرتاحين في ظلها. إن هدف السياسة هو أن تجعل اللامعقول شيئا مستساغا. وهي تحتاج لتحقيق ذلك إلى الأخلاق. تكمن وظيفة الأخلاق، من وجهة النظر هذه، في دفع الناس إلى قبول ما لا يعقل قبوله، ليعيشوا الحياة كما تأتيهم عفوا من غير ضجر. ولعل ذلك هو ما ألمح إليه ماكس فيبر في حديثه عن "الطبيعة اللاعقلانية للأخلاقEthical irrationality of the world ، وهو ما عبر عنه كوهن Cohen ومارش March  أيضا بقولهما : "بما أن العالم غير معقول فإنه ينبغي على الرئيس أن يتحلى بالفضيلة" (Gohen and March, 1983, p. 205)؛ والمقصود بالفضيلة هنا التظاهر بالتواضع. إن الخطة التكتيكية التي اقترحاها لمساعدة الرؤساء على اتخاذ القرارات وتنفيذها في عالم "الفوضى المنظمة" تلزم كل رئيس أو قائد بالظهور أمام المرؤوسين بمظهر الإنسان المتواضع؛ ذلك ما تدل عليه كل قاعدة من القواعد التكتيكية الثمانية التي تنبني عليها الخطة المقترحة. تقول القاعدة الأولى: إن على القائد أن يتفهم رغبة أعضاء المنظمة في المشاركة في اتخاذ القرارات، ولكن عليه أن يمتص طاقتهم ويسخرها لحسابه؛ وتقول القاعدة الثانية: إن على القائد أن يتشبث برأيه ويصمد عندما يواجهه أعضاء المنظمة بالرفض، وأن يتفهم رفضهم ويقبله، لأن ما يرفض اليوم لن يرفض بالضرورة غدا، وعندما ينجح في فرض القرار الذي كان يرغب في اتخاذه فإن عليه ألا يتباهى بانتصاره، لأن كل انتصار هو في الحقيقة انتصار مؤقت؛ وتقول القاعدة الثالثة بأن عليه أن يبادلهم موقعه مقابل ما هو أساسي وجوهري بالنسبة للمنظمة exchange status for substance، ومعنى ذلك أن يهتم بالنتائج ويمسك في المقابل عن التلذذ بكل ما يمكن أن يترتب عن تحقيقها من مشاعر الارتياح واعتبار الذات، وعما قد يحدثه في النفس تقدير الآخرين وشكرهم واعتبارهم له، عليه أن يترفع عن ذلك كله ليجعل من نجاحه مناسبة لبعث مشاعر الاعتبار الذاتي عند المرؤوسين، وبعبارة أخرى، يجب أن يحقق النصر ويترك للآخرين فرصة الانتشاء بالانتصار. وتهدف القواعد الخمس الأخرى إلى إحداث سلوكات مماثلة لدى الرؤساء، وإلى حمل المرؤوسين على الاعتقاد بأن رؤساءهم طيبون متواضعون.

لا تهدف الخطة المقترحة إلى تغيير الطبيعة البيروقراطية للمنظمة بقدر ما تهدف إلى تغيير نظرة المرؤوسين إليها. تلعب قيمة التواضع في هذه العملية دور البوتقة التي ينصهر فيها الصلب ليتحول إلى سائل مرن دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير طبيعته. إن تصور البيروقراطية للإنسان تصور لامعقول، لأنها تنظر إلى الراشد نظرة الراشد إلى القاصر؛ وبما أن هذا التصور لامعقول، وبما أن من يحمله لا يرغب في تغييره، فإن من الحكمة التعامل معه كما لو كان شيئا معقولا؛ فبدل أن يظهر بمظهر الصخرة الصماء التي ترتطم بها أمواج بحر مضطرب، وجب أن يأخذ شكل سائل يندمج مع الموج ويكبح جموحه بثقله. ومعنى ذلك أن يتكلم الرئيس لغة المرؤوس، ويتكيف مع الصورة التي يحملها عن الواقع ليدفعه إلى القيام بما يرغب فيه دون أن يفقد المرؤوس ماء الوجه. هذا ما يدل عليه مفهوم التواضع في أخلاقيات اللامعقول.

تقضي الحكمة في هذه الأخلاق أن تواجه مفارقة ( أو سخافة ) بمفارقة أخرى ( أو بسخافة أخرى ). فالبيروقراطية تفترض بأن الرجل طفل قاصر، هذه مفارقة أولى، ولكن الفضيلة تفرض عليها التعامل مع القاصر كما لو كان راشدا، هذه مفارقة أخرى. يمكن التعبير عن هذه المفارقات بجملة من خطاب خيالي مفترض وجهه رئيس منظمة إلى مرؤوسيه يقول فيه : أيها السادة.. إنكم في الحقيقة أطفال قاصرون، ولكنكم تعتقدون بأنكم راشدين، لذلك سأتعامل معكم كما لو كنتم راشدين. تذكر هذه الخطة التكتيكية بتقنيات الطب النفسي والتواصل العلاجي التي دأب كل من إركسون (Erickson, 1965) وواتزلفيك(Watzlawick, 1980)  وغيرهما ممن ينتمون إلى مدرسة بالو ألتو .Palo Alto تتمثل تلك التقنيات في استعمال مقاومة المريض، ولغته، وجعله أمام اختيارات وهمية، وتقديم أعراض المرض كوصفة للعلاج، وحل مفارقة بمفارقة أخرى...الخ. استعمل واتزلفيك هذه التقنيات لحل مشكلات التواصل في الأسر المختلة، ودعا إلى استعمالها أيضا لحل مشكلات التواصل في مختلف أنواع المنظمات. ترتكز هذه التقنيات على مبدأين أساسين صاغهما واتزلفيك على النحو التالي :

§    " ليس بوسعنا إلا أن نتواصل"  (Watzlawick, 1972, p. 48)

§    " ليس بوسعنا إلا أن نؤثر. (Watzlawick, 1980, p. 19)

يمكن إرجاع هذين المبدآن إلى  مبدأ واحد ما دام كل تواصل ينطوي في ذاته على فعل التأثير.

اصطدم واتزلفيك عند استعماله لهذه التقنيات بالمفارقة الأخلاقية السابقة الذكر، وعبر عن موقفه منها بقوله : "ليس بوسعنا إلا أن نتحمل المسئولية المحتومة لنقرر، من أجلنا نحن، الطريقة التي يجب إتباعها في اعتبار هذا القانون الأساسي الذي يحكم التواصل الإنساني من أجل التعامل معه بروح إنسانية وبأكبر ما يمكن من الصدق والفعالية" (نفس المرجع السابق، نفس الصفحة)؛ ولكنه ندد في موضع آخر بمن وصفهم "بالمثاليين المملوءة عيونهم بالنجوم المتلألئة" اللذين يرفعون من شأن قيم الإخلاص والصدق ويجعلون منها هدفهم الأسمى. إن قانون التواصل لا يسمح للمرء أن يقول الحق دائما وفي كل الظروف، ولا أن يكون مخلصا على الدوام وفي كل الظروف (Wilder, 1981)؛ وليس يلزم عن ذلك بالضرورة أنه كاذب أو منافق، كما يقضي المنطق الأرسطي الثنائي القيم الذي يلغي الإمكانية الثالثة (الثالث المرفوع). بإمكان المرء أن يقول مثلا: لا أنا بصادق ولا أنا بكاذب، لا أنا بمخلص ولا أنا بمنافق؛ إنه مظهر آخر من مظاهر اللاعقلانية المبثوثة في عالم الأخلاق؛ من شأن موقف كهذا أن يثير البلبلة في أذهان أولئك اللذين اعتادوا التفكير في أمور حياتهم اليومية بعقلية أرسطية ثنائية القيم، وأن يحدث الامتعاض في نفوس أولئك اللذين يؤمنون بالأسطورة القائلة بأن أسمى ما في الإنسان هو العقل (Watzlawick, 1980).

وهكذا، فإذا كان اللامعقول يلزم القائد بالتحلي بفضيلة التواضع، فإنه يفرض عليه أن يضع قيم الصدق والإخلاص بين قوسين، وأن يتعامل بالتالي مع المرؤوسين باعتبارهم قاصرين غير مسئولين دون أن يشعرهم بذلك، وأن يتقن استعمال فن الخطابة للتحكم في مواقفهم واتجاهاتهم. إن فن الخطابة كما عرفه واتزلفيك ملخصا آراء أرسطو في الموضوع، هو شكل من أشكال التواصل الذي يمكِّن كل ذي مقام رفيع وجاه عظيم ممن يتمتعون بثقة مبررة من تغيير آراء وميول الناس اللذين تربطهم به علاقة تواصل ما. ويجب التذكير هنا بأن التواصل يقوم على المبدإ القائل إنه "ليس بوسعنا إلا أن نؤثر". تكمن وظيفة الخطاب في تغيير اتجاهات الآخرين، أو تقريب المواقف، ومن ثمة حل المفارقات الأخلاقية وسوء التفاهم بين الناس.

ترجع جذور هذا الموقف إلى الفلسفة الوضعية المنطقية وإلى نزعتها الوجدانية ممثلة بستفنسن Stivensen  على وجه التحديد. ترى هذه الفلسفة بأن ما يميز الأخلاق هو طبيعتها اللاعقلانية، ما دامت ترتكز على أحكام القيمة. ويرى ستفنسن بأن أحكام القيمة تكتسي دلالة عاطفية-وجدانية، لأن الحكم المعياري يكون دائما مشحونا بطاقة عاطفية-وجدانية، ولذلك كانت أحكام القيمة مصدرا للصراع الأخلاقي وسوء التفاهم بين الناس. غير أن سوء التفاهم لا يعني التناقض، لامتناع القول بأنها صحيحة أو خاطئة، ما دامت لا تؤدي أية وظيفة معرفية. تكمن وظيفتها الأساسية في التعبير عن انفعالات صاحبها وفي خلق رد فعل لدى الطرف الأخر في عملية التواصل، أو التأثير فيه. وبناء على ذلك يميز ستفنسن في أحكام القيمة بين بعدين : بعد يتعلق بالتعبير عن اتجاه معين نحو موضوع الحكم، وبعد يتعلق بالرغبة في التأثير في الغير لتغيير اتجاهه نحو ذلك الموضوع. لذلك، فإن التعبير عن الرأي هو في نفس الوقت مجهود يبذل لتغيير اتجاهات الآخرين. ما من شك في أن هذه الفكرة هي المصدر الذي استمد منه واتزلفيك قاعدته الذهبية القائلة "ليس بوسعنا إلا أن نؤثر". إن الطبيعة المزدوجة للأحكام المعيارية تولد بالضرورة سوء التفاهم بين أطراف عملية التواصل، ولكنها لا تذهب إلى حد التناقض، ولذلك كان من الممكن إيجاد حل لسوء التفاهم ما دام الأمر لا يتعلق بتعارض الآراء والاتجاهات. وأما وسيلة حله في نظر ستفنسن فهي الإقناع persuation الذي يهدف إلى تغيير اتجاه الطرف الآخر. وهكذا، فإن ما قد يبدو على أنه صراع أخلاقي إن هو في الحقيقة إلا صراع الاتجاهات؛ وبما أن الأخلاق لاعقلانية فإن العقل عاجز عن حل ذلك الصراع، لذلك لزم أن يتولى فن الإقناع معالجة هذه المسألة (Watzlawick, 1980 ; Stivenson, 1944).

يمكن القول، بناء على ما سبق، إن الصراع القائم بين البيروقراطية والمهنة في ميدان التعليم هو صراع أخلاقي، صراع بين تصورين متعارضين لما ينبغي أن يكون عليه واقع التعليم بأبعاده الهيكلية والتنظيمية والبشرية. يتجلى هذا الصراع في التعارض الموجود بين اتجاهات المدرسين واتجاهات رؤسائهم نحو الوقائع والظواهر التعليمية، ولا يمكن حسمه إلا بطريقتين: طريقة يمكن وصفها بأنها محافظة، لأنها تسعى إلى الحفاظ على الواقع الموضوعي كما هو وتغيير صورته في أذهان المدرسين من خلال تغيير اتجاهاتهم نحوه بالاعتماد على تقنيات الإقناع والتأثير، وهي الطريقة التي يدعو إليها ستفنسن وواتزلفيك، والتي حدد كوهن ومارش خطتها التكتيكية؛ وطريقة يمكن وصفها بأنها جذرية، وهي الطريقة التي تهدف إلى تغيير المسلمات الضمنية التي تقوم عليها البيروقراطية وتصورها للإنسان، و التي دعا إليها لانجفورد وماكغريغر في نظريته المعروفة بنظريةtheory (Y) .

إن نظرية (X) ما هي في الحقيقة إلا وصف وتحليل نقدي للبيروقراطية يراد منه الإفصاح عن مصادراتها الضمنية المسئولة عن الاختلالات الوظيفية في المنظمات، وعن الاضطرابات النفسية-الاجتماعية التي يعاني منها العاملون فيها. إن تصورها السلبي للإنسان يستلزم من الناحية المنطقية تنظيم المنظمة وفقا لمبدإ التراتب scalar principle الذي يفرض أسلوبا في الإدارة يعتمد على استعمال السلطة. وسيؤدي تغيير التصور السلبي للإنسان، في نظر ماكغريغر، إلى تغيير ذلك المبدإ المنظم، ومن ثمة تغيير الأسلوب السلطوي في الإدارة. هذا ما تطالب به نظرية(Y) ، فهي تدعو إلى اتخاذ موقف إيجابي من الإنسان، وسيؤدي الموقف الإيجابي الجديد إلى اعتماد مبدإ جديد في التنظيم، وهو مبدأ الاندماج the principal of integration الذي يستلزم الاعتراف بحاجات كل من المنظمة والفرد على حد سواء وإشباعهما معا. يؤدي مبدأ الاندماج في نظر ماكغريغر إلى تقوية ولاء الفرد للمنظمة، واستثمار الطاقات البشرية، وتقوية روح المسئولية لدى الفرد وقدرته على المراقبة الذاتية، وتجنب الصراع، وهو ما لا يمكن تحقيقه في إطار العمل بنظرية(McGrigor, 1983) (X) .

إن النظرة السلبية للإنسان تؤدي إلى عدم الاعتراف بقدرته على تحمل المسئولية. وربما كان ضعف روح المسئولية في المنظمات البيروقراطية هو الخلل الرئيسي الكامن خلف المشاكل التي تعاني منها. وبما أن البيروقراطية قد عجزت عن بعث روح المسئولية في موظفيها، فإنه يتعين إعادة تنظيم المنظمات، وخاصة المنظمات التعليمية، على أساس مبادئ وقواعد أخرى. هذا ما دعا إليه لانجفورد. ينبغي من أجل بعث روح المسئولية في المدرسين إعادة تنظيم التعليم وفقا لمبادئ المهنة. إن هذا النوع من التنظيم هو وحده الكفيل بجعل المدرس المسئول الأول والأخير عن أهداف التعليم. يقتضي مبدأ المسئولية عن الأهداف مطالبة المدرسين برفع تقارير مفصلة عن الأنشطة المنجزة خلال فترة محددة لمعرفة مدى أدائهم لواجباتهم، ولإتاحة الفرصة للنقد والتقويم. ويقتضي مفهوم المسئولية الثقة في تقاريرهم. ذلك لأن قيمة الثقة ملازمة لفكرة المسئولية، إذ من العبث أن نعترف بمسئولية شخص لا نثق به؛ هذا على الرغم مما قد يترتب عن الثقة من مخاطر، يجب قبول هذه المخاطر والعمل على التقليل منها (Lanfford, 1985).

وما يمكن أن يؤخذ على لانجفورد وماكغريغر هو أنهما اقترحا الحلول دون أن يقدما خطة عملية تترجمها إلى واقع، وذلك على خلاف ما فعل كوهن ومارش اللذين بلورا خطة تكتيكية لحل مشكلات البيروقراطية، ولو كان من الصعب تطبيقها، على اعتبار أن الشرط الأساسي فيها هو أن يتقن كل رئيس في كل مستوى من المستويات التنظيمية فن الخطابة وتقنيات الإقناع والتأثير، وهو ما يتطلب تكوينا معمقا وتجربة طويلة إلى جانب وجود قابلية للتأثر لدى المرؤوسين. وأما فيما يتعلق بلانجفورد وماكغريغر فإن أفكارهما توحي بطريقتين على الأقل: طريقة ترتكز على تعبئة المدرسين للدفاع عن مطالبهم المهنية؛ غير أن من شأن هذه الطريقة أن تولد ردود فعل قوية لدى البيروقراطية، مما يزيد الطين بلة، ويزيد من تأجيج الصراع وتفاقم المشاكل السابقة، ويكون المدرس هو الضحية الأولى؛ وهذا ما أكدته التجارب الماضية (Banks, 1978 ; Grace, 1983). هذا بالإضافة إلى وجود عراقيل موضوعية تحول دون تنامي النزعة المهنية في ميدان التعليم(Parry & Parry, 1981 ; Bargess, 1986)

ويرى بعض الباحثين أن الصراع بين البيروقراطية قد يضعف ويخمد في ظل شروط معينة، حيث يظهر الميل إلى التكامل والانسجام والتوازن بينهما(Johnson, 1972)) ؛ غير أن هذه الشروط ناذرا ما تتوفر مجتمعة (Dingwall & Lewis, 1985). وهناك من يذهب إلى الاعتقاد بأن حل الصراع بين البيروقراطية والنزعة المهنية رهين بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تجري خارج المنظمة. ومهما يكن من أمر ذلك، فإن استمرار الصراع سيظل العائق الأساسي لاندماج المنظمة التعليمية والسبب الرئيسي في التمزق الداخلي للعاملين فيها.

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens