Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
7 novembre 2007 3 07 /11 /novembre /2007 18:44
نظريات النمو المعرفي والتعلم لدى فيكوتسكي والفيكوتسكيون الجدد
أحمد أغبال
إن الطروحات التي تعرضنا لها في الفقرة التمهيدية السابقة تدعمها العديد من البحوث التجريبية والميدانية التي تناولت موضع التفاعل بين الأطفال والراشدين من جهة والتفاعل بين الأقران من جهة أخرى. سوف نستعرض بشكل مركز النتائج التي توصلت إليها عينة مختارة من هذه البحوث.
لاحظ ترفرتن Trevarthen في دراسة تصف طريقة تفاعل الأطفال مع أمهاتهم وجود ميل إلى التفاعل حتى عند الطفل الرضيع في الأسابيع الأولى من حياته. حيث تبين له أن الرضيع يحاول باستمرار تكييف سلوكه مع سلوك أمه. يفصح سلوك الطفل في هذه المرحلة المبكرة من العمر عن وجود ما يسميه ترفرتن مبدأ الدافعية إلى التبادل mutuality في صورته البدائية. واستنتج من ذلك ان للطفل استعدادا فطريا للتواصل. واعتبر ذلك المبدأ حافزا من الحوافز الإنسانية الأساسية، والقاعدة التي تقوم عليها القصدية المتبادلة mutual intentionality والتجارب البيذاتية ( بين-ذاتية ) intersubjectivity. وقاده تحليل المعطيات التي جمعها بواسطة الملاحظة المباشرة إلى التمييز بين طريقتين من طرق اشتغال الجهاز المعرفي للطفل الرضيع: طريقة ذاتية subjective تشمل الآليات الحسية-الحركية التي تحدث عنها بياجي ، وطريقة بين-ذاتية intersubjective تعبر عن ميله الفطري إلى التواصل. ولكن الطفل يجعل من التواصل في الأسابيع الأولى من حياته غاية في حد ذاته، ولذلك تغلب عليه الوظيفة الفاتية phatic في هذه المرحلة. وكذلك تكون الغلبة في هذه الفترة لنمط التفكير الذاتي الذي يذكرنا بنزعة التمركز حول الذات التي تحدث عنها بياجي. وفي حوالي الشهر السادس تمتزج العناصر الذاتية والعناصر البيذاتية فيما بينها، ويحصل تغير عميق في البنية العقلية للطفل من جراء ذلك. يتجلى امتزاجها بوضوح أثناء اللعب، حيث يحاول الطفل إغراء أمه بالمشاركة في اللعبة. وهنا يتدخل عنصر جديد ليتوسط العلاقة بين الطفل وأمه، إنه موضوع اللعبة. هكذا، وبعد أن كان التواصل في البداية هدفا في حد ذاته أصبح الآن وسيلة لتحقيق رغبة الطفل في اللعب. يسمي ترفرتن Trevarthenعلاقة التفاعل الثلاثية الأبعاد هذه العلاقة البيذاتية الثانوية secondary intersubjectivity، ويعتبرها الأساس الذي تقوم عليه دينامية النمو العقلي. إن القوة الدافعة إلى التواصل هي العامل الأساسي الذييفسر في نظره التحولات الكبرى التي تتخلل سيرورة النمو العقلي لدى الأطفال. ويعتقد أيضا، بناء على النتائج المستخلصة من تحليل المعطيات، أن الذكاء هو نتاج عملية التفاعل بين الأشخاص. فلا نمو ولا تعلم ما لم تكن للفرد مهارات اجتماعية تؤهله للتفاعل الإيجابي مع الآخرين. فبمقدار ما تنمو هذه المهارات، وبمقدار ما تزداد قدرة الفرد على التحكم فيها، تزداد قدرته على التعلم تبعا لذلك (Trevarthen, 1979,1982 ).
انطلاقا من هذه النتائج حاول بعض الباحثين التعرف على دور التفاعل الاجتماعي في اكتساب المعرفة بالأدوار والوقائع الاجتماعية والقدرة على فهمها. في هذا الإطار قامت كاترين نلسن NelsonKatherineبدراسة تمثلاتالأطفال للوقائع والحوادث الاجتماعية event representation، وانكبت على وصف وتحليل آليات تشكل التمثلات والمقولات الاجتماعية التي تمثل في نظرها الخطوة الأولى نحو التفكير المجرد. بنيت هذه الدراسة على أساس أن مصدر التمثلات والمقولات المعرفية الاجتماعية يكمن في التفاعل بين الأشخاص. وأما مرجعيتها النظرية فهي نظرية الخطاطات schema أو النماذج التمثلية script التي بلورها شونك Schank وأبلسن Abelson ( 1977 ).
تعرف كاترين نلسن التمثلات النموذجية script بأنه « تمثل عام للحدث يستمد من سياق معين ويطبق عليه »(Nelson, 1981, p. 101). ويعكس النموذج التمثلي سلسلة من الأفعال المترابطة التي يتمحور نظامها حول هدف معين في سياق متميز داخل إطار زمني-مكاني محدد. ويتالف التمثل النموذجي من ثلاثة أنواع من العناصر وهي: العناصر الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها، والعناصر الاختيارية، والعناصر العرضية التي تستعمل في حال عدم وجود بعض العناصر المحددة. من أمثلة ذلك نموذج قاعة الجلوس اليومية التي استعملتها نلسن لبيان المراد. يرتكز هذا النموذج على مجموعة من العناصر الأساسية التي تنتظم وفقا لقواعد الهندسة، وهي الجدران والأبواب والنوافذ. وقد تشتمل القاعة على المصطلى كعنصر إختياري. وأما الأثاث (الأرائك والسجادات والكراسي الخ) فيمثل فيها القيم غير المحددة default values أو العرضية.التي لا يتسبب انعدامها في انهيار النموذج. هنا يكمن الفرق بين التمثل النموذجي والمقولة التي تختزل الواقع وتصنفه. فلا يمكن أن نتمثل مقولة الحيوان في غياب الكائنات التي انبثقت عنها بواسطة التجريد. وأما العلاقة بين النموذج التمثلي وعناصره فهي من نوع آخر. فإذا كانت البقرة حيوانا فإن الأريكة ليست قاعة. ولا ينطوي تصورنا للأريكة بداهة أو بالقوة على ما يحيل إلى القاعة. ولكن العكس صحيح إلى حد ما. إذ تعتبر الأريكة جزءا من القاعة طالما ليس هناك شيء آخر يقوم مقامها. هذا بالإضافة إلى أن الأريكة (الصالون) نفسها يمكن تصورها كنموذج، كما أن قاعة الجلوس تندرج كعنصر أساسي من عناصر نموذج المنزل. تدمج النماذج التمثلية فيما بينها لتشكل وحدة كلية أكثر شمولا. فهي مفاهيم عامة تختلف من حيث درجة تجريدها.وإذا كانت المقولات هي الأخرى مفاهيم عامة فإن الفرق بينها وبين التمثلات النموذجية كالفرق بين التعريف الذي يدل على الخصائص الضرورية أو الجوهرية للأشياء بصرف النظر عن العناصر العرضيةأوغير الضرورية، والمعرفة التي تخبرنا بجميع مكونات الأشياء الضرورية منها وغير الضرورية.
يدل التمثل النموذجي إذن علىمعرفتنا بالأشياء لا علىتعريفها وتحديدها. فهو يكتفي بوصف معرفتنا ببعض النماذج الاجتماعية كنموذج المطعم مثلا. تساعدنا النماذج التمثلية على استقراء الوقائع وإدراك علاقاتها السببية أو غيرها والتنبؤ بها قبل حدوثها، وتمكننا أيضا من تنظيم المعرفة في أذهاننا وتيسر علينا عملية التذكر. ولقد أثبتت الدراسات الميدانية التي قامت بها نلسن  Nelson أن معارف الأطفال عندما تنظم على أساس الخطاطات والتمثلات النموذجية تزيد من قدرتهم على تذكر الوقائع وإدراك بنيتها ومختلف مكوناتها الضرورية والعرضية ويصبحون قادرين على عرضها حسب تسلسلها في الزمان والمكان. وتساعدهم التمثلات النموذجية المكتسبة أيضا على تذكر القصص وحكيها أو كتابتها بطريقة منظمة تبرز العلاقات بين شخوصها وأدوارهم ومنطق تسلسل وقائعها. وأظهرت الدراسة أيضا أن ما يميز المعرفة التي تنظمها التمثلات النموذجية لدى الأطفال هو طابعها الشمولي العام وانتظامها وفقا للتسلسل الزمني. فهي تتخطى حدود الواقعة الآنية لتحيط بوقائع أخرى عديدة حاضرة أو غائبة. إنها تدل على ما يحدث عادة لا على ما حدث في لحظة معينة.
ودلت الدراسة على أن التفاعل الاجتماعي بين الطفل والراشد يلعب دورا أساسيا في اكتساب التمثلات النموذجية. ولكن التفاعل الاجتماعي لا يساعد الطفل على اكتسابها إلا إذا استطاع الراشد تنظيم السياق الذي تجري فيه عملية التفاعل وهيكلته بطريقة تجعل منه سياقا ذو دلالة بالنسبة للطفل. ولا يتسنى له ذلك إلا من خلال تحديد هدف واضح للأنشطة التي تحصل هناك، ورسم خطة لتحقيقه، وإشراك الطفل في تنفيذها، ومساعدته على الوعي بالدور المنوط به. فتتوزع الأدوار خلال عملية التفاعل على هذا النحو، ويكون الهدف الذي يحققه الطفل في النهاية من خلال مشاركته في التجربة التي خطط لها الراشد هو اكتساب التمثل النموذجي أو الخطاطة التي تعكس وقائعها وعلاقاتها ومنطقها.
تتشكل التمثلات النموذجية إذن انطلاقا من تجارب الحياة اليومية التي ينظمها الراشدون، آباء كانوا أو مدرسين، بقليل أو كثير من الوعي. ونظرا لالتصاقها بالتجربة المعيشة من جهة وميلها إلى التعميم من جهة أخرى فإنها تمثل الخطوة الأولى في الطريق نحو التفكير المجرد. ذلك لآن المقولات والمفاهيم المجردة تشتق من التمثلات النموذجية لا من الوقائع الملموسة. وإذا كانت النماذج التمثلية مقدمة التفكير المجرد فإنها تعتبر بالإضافة إلى ذلك مصدر الخطط والتفكير الاستراتيجي. إنها تمثل الهيكل البدائي للخطط والمدخل الطبيعي إليها. يتحول النموذج التمثلي script تدريجيا إلى خطة عندما يصير أكثر تجريدا وانسلاخا عن الواقع. يتشكل في البداية حول أهداف يضعها الراشدون، وعندما يتمحور بناؤه حول هدف يحدده الطفل من تلقاء نفسه يصبح مرشحا لأن يتحول إلى خطة. وغالبا ما يستعمله الأطفال منذ وقت مبكر كوسيلة للتحكم في مختلف الأنشطة المعرفية الاجتماعية التي يقومون بها كالتعبير اللغوي وتركيب الجمل، وتعلم المفردات الجديدة واستعمالها، والحفظ والتذكر، والخيال والإبداع، والتفاعل والتواصل مع الآخرين         Nelson, 1986. 1997)). وبذلك يمكن اعتبارها الأساس الذي تقوم علية العمليات فوق-المعرفية.
ومن هنا تتبين أهمية التمثلات النموذجية كعامل من العوامل التي تساهم بشكل كبير في تشكل البنية المعرفية ونموها. وتجدر الإشارة أخيرا إلى أنها تتشكل في غمرة تجارب الحياة اليومية بواسطة ما تسميه كاترين نلسن التفاعل بالمشاركة participatory interaction. وهو شكل من أشكال التفاعل الذي يراعى فيه إشراك الناشئة في مختلف الأنشطة الاجتماعية بشكل مقصود وهادف. ويذهب بعض المحللين إلى أن هذا النوع من التفاعل هو المفتاح الذي لا غنى عنه لولوج ما استغلق في مجال فهم آليات النمو المعرفي والتعلم. في هذا الإطار دافعت بربرا روغف Rogoff عن الفكرة التي تقول إن النمو المعرفي والتعلم يتحققان من خلال ما تسميه بالمشاركة الموجهة المتحولة. يتجلى مستوى النمو حسب هذه النظرية من خلال مدى قدرة الفرد على المشاركة النشيطة في الأنشطة الثقافية وفي درجة فهمه لها ومقدار ما يتحمله من المسؤولية في أدائها. وتزداد قدرته على التعلم كلما غير أسلوبه في المشاركة في الاتجاه الذي يصبح فيه نصيبه من المسؤولية أكبر وقدرته على التخطيط وتحديد الأهداف والتنسيق بين الأدوار أعظمRogoff, 1995)).تتفق هذه النتائج مع ما توصلت إليه نلسن Nelson وتنسجم مع النظريات التي تعرضنا لها في الفقرة السابقة.
تؤكد هذه الدراسات الفكرة القائلة بأن البنية المعرفية لا تتشكل في استقلال عن بنية المحيط. فإذا كان المحيط المعرفي منظما يزداد احتمال اتساق العناصر المعرفية مع بعضها في الذهن. وينشأ الالتباس والفوضى في الذهن في سياق غير منظم أو أسيء تنظيمه، وتتعاظم صعوبات التعلم، وتتباطأ وتيرة النمو. لا يمكن الفصل من وجهة النظر هذه بين طبيعة الواقع المعرفي وطريقة التفكير فيه وكيفية تمثله أو بين خصائص المحيط وخصائص الفرد المعرفية. هذا ما يدل عليه مفهوم التكيف المتبادل بين الفرد والمحيط في النظرية الإيكولوجية لجبسن Gibson وغيره من الباحثين الذين ساروا على نهجه (Shotter and Newson, 1982). وتدل نتائج هذه الدراسات أيضا على أن الفاعلين التربويين، سواء كانوا آباء أو مدرسين، هم الذين ترجع إليهم مهمة إعداد المحيط بما يناسب التعلم والتفكير المنظم في القضايا المطروحة في سياقه. ويجب أن يكونوا على وعي بذلك. ويعتبر التفاعل بين الأشخاص في إطار هذه النظرية عنصرا أساسيا من عناصر السياق.

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens