Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
6 septembre 2007 4 06 /09 /septembre /2007 23:31
مفهوم الحقيقة
من النقد الكانطي إلى نظرية تارسكي
(الجزء الثاني)
أحمد أغبال
يميز تارسكي بين اسم الجملة والجملة ذاتها، ولذلك دأب على وضع الجملة-الاسم بين مزدوجتين لتمييزها عن الجملة؛ ثم عمم هذا الإجراء على جميع الجمل: لنعتبر أية جملة أخذت بشكل اعتباطي، ولنعبر عتها بالحرف "p"، ثم نقوم بعد ذلك بتشكيل اسم هذه الجملة، ونعبر عته بالحرف"X"، ثم نتساءل بعد ذلك: ما هي العلاقة المنطقية الموجودة بين القول بأن "X صادقة" و"p". يرى تارسكي أن هاتين الجملتين متكافئتين equivalent بحيث يمكن القول:''  X صادقة إذا، وفقط إذا، كانت p"
تعتبر "X" و"p" في إطار هذه الصيغة التعبيرية متكافئتان. لنسمي كل تكافؤ بين "p" و"X" (في كل حالة تستبدل فيها "p" بأية جملة يمكن وصفها باستعمال كلمة "الصدق"، وتستبدل فيها "X" باسم تلك الجملة)التكافؤ ذو الشكل(T). وبذلك يكون تارسكي قد حدد شروط تعريف واستعمال مفهوم "الصدق": يستعمل هذا المفهوم في نظره للدلالة على ثبوت كل حالات التكافؤ ذات الشكل(T)، ويعتبر تعريف الحقيقة تعريفا ملائما إذا كانت جميع حالات التكافؤ تلك تلزم عنه بالضرورة منطقيا.
ويرى تارسكي أن كل صيغة تعبيرية من نوع(T) ليست في ذاتها جملة، بل تمثل شكل الجملة أو هيكلها التخطيطيschema ، ولا تقوم مقام تعريف الحقيقة. ومع ذلك اعتبر أن كل تكافئ يأخذ شكل الصيغة (T)، التي يُتوصل إليها من خلال استبدال "p" بجملة معينة و"X" باسم تلك الجملة، بمثابة تعريف جزئي للحقيقة. وهو تعريف يشير إلى محل ثبوت صدق هذه الجملة بالذات. وأما تعريفها الشامل فيدل على الرابطة المنطقية التي تربط الجمل أو الحقائق الجزئية بعضها ببعض وتوحدها. وهذا هو ما يسمى بالتعريف السيمونطيقي للحقيقة حسب نظرية تارسكي.
يعرف تارسكي السمونطيقا بأنها العلم الذي يهتم بدراسة العلاقات بين التعابير اللغوية والموضوعات التي تحيل عليها تلك التعابير. ومن المفاهيم التي يستعملها هذا العلم للتعبير عن تلك العلاقات هناك على سبيل المثال لا الحصر مفاهيم "الدلالة" و"التحديد أو التعريف" و"الاستيفاء"، فيقال مثلا:
- أب العقلانية الحديثة، للدلالة على ديكارت
- يستوفي "الثلج" شروط الوظيفة التعبيرية للجملة " x أبيض"
- المعادلة « 2*x =1 » لا تحدد غير العدد ½
وإذا كانت تلك الكلمات تعبر عن العلاقات بين التعابير اللغوية والموضوعات التي تشير إليها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن كلمة "صدق" من طبيعة منطقية مختلفة: فهي تدل على خصائص بعض العبارات أو الجمل. ويظهر من خلال الصيغ التي أوردناها في الفقرة السابقة لتحديد مدلول كلمة "الصدق" أن هذه الكلمة لا تكتفي بالإحالة إلى العبارات ذاتها بل تستحضر أيضا الموضوعات التي تشير إليها تلك العبارات. ولذلك فإن تحديد مفهوم الحقيقة تحديدا دقيقا بتطلب استعمال المفاهيم السيمنطيقية كمفهوم "الاستيفاء"و"الإحالة" و"الصدق" . يندرج مفهوم "الحقيقة"، من وجهة النظر هذه، ضمن الجهاز المفاهيمي السيمنطيقي، ولا يمكن فهمه، بالتالي، إلا من خلال ربطه بمبادئ وأسس النظرية السيمنطيقية.
ولا يتأتى تعريف الحقيقة تعريفا دقيقا إلا من خلال تحديد البنية الشكلية للغة، وصياغة عباراتها صياغة شكلية مثلما هو الحال في لغة المنطق. هذا بالإضافة إلى ضرورة تجاوز اللغة المنغلقة، والوعي بوجود لغتين مختلفتين للتعبير عن الوقائع والقضايا من أجل تفادي الوقوع في مفارقة الكاذب the antinomy of the lier، وهما:
1.     اللغة-الموضوع أو لغة المستوى الأول، وهي اللغة التي نتحدث عنها أو التي تشكل موضوع حديثنا. ولا ينطبق تعريف الحقيقة إلا على الجمل التي تتشكل في إطار هذه اللغة.
2.     اللغة الماورائية meta-language أو لغة المستوى الثاني، وهي اللغة المستعملة للحديث عن اللغة الأولى. تستعمل عبارات اللغة الماورائية لتحديد مفهوم "الحقيقة" الذي يطبق على الجمل التي تصاغ في إطار اللغة-الموضوع.
ويمكن القول بصفة عامة، إن كل لغة نتحدث عنها فهي لغة-موضوع، وكل لغة نستعملها للحديث عن لغة أخرى فهي لغة ماورائية. وبَيّنٌ من هذا القول أن لغة المستوى الثاني قد تصبح بدورها موضوعا للغة ماورائية أخرى تقع في مستوى أعلى، وأن كل مستوى من مستويات اللغة يحدد معايير الحقيقة للمستوى الذي يقع دونه، وهكذا دواليك. ومعنى ذلك أن مفهومي اللغة-الموضوع واللغة الماورائية هما مفهومان نسبيان.
لنعد الآن إلى تصور تارسكي لشروط الحقيقة في ضوء مبدأ التكافؤ بين شطري الصيغة (T): فعندما نقول مثلا إن "X صادقة إذا، وفقط إذا كانت p"؛ فإن القضية ''p'' هي من جملة القضايا التي تنتمي إلى اللغة-الموضوع، بينما تنتمي القضية 'X'، باعتبارها خطابا حول ''p''، إلى اللغة الماورائية. لنفحص القضية التالية: "الثلج أبيض" [قضية صادقة] إذا، وفقط إذا كان الثلج أبيضا"، يتعلق الشطر الأول من هذه العبارة بالجملة "الثلج أبيض" التي تندرج ضمن اللغة-الموضوع، ويتعلق الشطر الثاني الذي يندرج ضمن اللغة الماورائية بالثلج وخصائصه. ولو أننا نطقنا بالجملة الأولى والثانية بلغتين مختلفتين لبدا لنا الفرق واضحا بين اللغة-الموضوع واللغة الماورائية:
"أَدْفَلْ دَمْلاّلْ [باللغة الأمازيغية]، إذا كان الثلج أبيضا"
"The snow is white, si la neige est blanche"
يرى تارسكي أن صدق القضايا لا يتحدد في إطار اللغة المستعملة للتعبيرعنها، بل يتحدد في إطار لغة أخرى. فإذا صيغت القضية في لغة "ل" التي هي اللغة-الموضوع، فإن تحديد دلالتها لا يتحقق إلا بواسطة لغة أخرى "م" وهي اللغة الماورائية؛ ولذلك وجب أن تشتمل اللغة "م" على نسخة من اللغة "ل"، بحيث تكون اللغة (م) قادرة على التعبير عن كل ما تعبر عنه اللغة (ل). وتكمن وظيفة اللغة الماورائية "م" في صياغة قضايا اللغة الموضوع "ل" صياغة شكلية من خلال إظهار مبادئها وعلاقاتها الشكلية (بغض النظر عن مضمونها الدلالي). ولذلك لزم أن تكون اللغة الماورائية أكثر غنى من اللغة-الموضوع وأكثر قدرة على التجريد والتعميم من خلال استعمال أدوات التعبير المنطقي، ويشترط أيضا أن تكون عباراتها ومفاهيمها مضبوطة ومحددة بدقة متناهية، لتكون قادرة على التعبير عن البنية الشكلية لجمل وتعابير اللغة-الموضوع. ولكن غنى اللغة الماورائية، بالمقارنة مع اللغة-الموضوع، يتوقف، في المقام الأول، على امتلاكها لأدوات منطق أرقى من المنطق الذي يتخلل اللغة-الموضوع. وهذا هو الشرط الضروري لتحديد مفهوم الحقيقة.
وعلى هذا الأساس حاول أن يعرف الحقيقة بالاعتماد على بعض المفاهيم التي تنتمي إلى منطق اللغة الماورائية، وفي مقدمتها:مفهوم "الاستيفاء" satisfaction: ويدل على العلاقة التي تربط أي موضوعا أخذ بشكل اعتباطي ببعض "الوظائف التعبيرية" sentential functions وهي جمل من نوع: "Xأبيض"، أو "Xأكبر من Y". ومع أن البنية الشكلية لهذه الصيغ التعبيرية لا تختلف عن بنية الجمل العادية فإن ما يميزها هو احتواءها على ما يسميه تارسكي بالمتغيرات الحرة free variables (X وY) القابلة للاستبدال بغيرها.
يتبين مما سبق أن تعريف الحقيقة في ضوء النظرية السيمنطيقة يجب أن يراعي مبدأ التلاؤم بين القضية والموضوع الخارجي، من جهة، ومبدأ الانسجام الشكلي من جهة أخرى، أي أن يكون سليما من الناحية الشكلية وملائما من الناحية المادية أو الموضوعية. ويشمل مفهوم الحقيقة،بالإضافة إلى ذلك، كل ما يترتب عن الهيكل التخطيطي (T) المتمثل في الصيغة العامة: "X صادقة إذا، وفقط إذا كانت p"، بحيث يمكن استبدال p بأية جملة يراد فحصها والتأكد من صدقها، واستبدال  Xبجملة من اللغة الماورائية تكون متكافئةequivalentمع الجملة السابقة. وهذا مثال يوضح المراد:
لنعتبر القضية التالية: "سقراط حكيم"، "سقراط" في هذه الجملة اسم (N) لشخص موجود في الواقع، وتشتمل الجملة على صفة (حكيم= P) أُلحقت بذلك الاسم؛ ولنعبر عن هذه القضية بلغة L على النحو التالي: NP. ولنعتبر الآن قضية أخرى مختلفة وهي np، ولنعبر عنها بلغة أخرى وهي I. نحن الآن أمام لغتين مختلفتين، ولكل عنصر من عناصر القضيتين  NP و np دلالة خاصة في كل لغة، بحيث أن:
§        N في L تحيل إلى سقراط ؛ و N في I تحيل إلى باريس
§        n في L تحيل إلى كتط ؛ و n في I تحيل إلى روما
§        P في L تحيل إلى كل ما هو حكيم ؛ و P في I تحيل إلى كل ما هو فرنسي
§        p في L تحيل إلى كل ما هو أبيض ؛ و P في I تحيل إلى كل ما هو بارد.
يمكن القول في ضوء نظرية تارسكي:
§        تكون NP صادقة في L إذا، وفقط إذا كان سقراط حكيما
§        تكون NP صادقة في I إذا، وفقط إذا كانت باريس فرنسية
§        تكون np صادقة في L إذا، وفقط إذا كان كانظ أبيضا
§        تكون np صادقة في  Iإذا، وفقط إذا كانت روما باردة.   
إن هذه الجمل الأربع الأخيرة هي من نوع الجمل (T)، هي تعريفات جزئية للحقيقة لا تتجاوز منطق اللغة-الموضوع وأما التعريف التام للحقيقة فيتطلب الجمع بين هذه الحقائق الجزئية في إطار تعريف متكامل من خلال تركيبة تتوحد فيهاالقضايا بواسطة مفاهيم "الإحالة" و"الاستيفاء" و "الصدق"، من حيث أن الصدق يتحدد في إطار لغة معينة باستيفاء شرط الانفتاح على الموضوع الخارجي عبر الإحالة إليه في إطار تلك لغة. وعليه يمكن تعريف الحقيقة وفقا لمنطق اللغة الماورائية على النحو التالي:
تكون S صادقة في L إذا، وفقط إذا كانت S هي NP وكان سقراط حكيما؛ وإذا كانت S هي pN وكان سقراط أبيضا؛ وإذا كانت S هي Pn وكان كانط حكيما؛ وإذاكانت S هي pn وكان كانط أبيضا.
تتمثل الحقيقة إذن في مجموع الحقائق الجزئية التي أعيد بناءها وفقا لمنطق اللغة
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens