Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
30 décembre 2009 3 30 /12 /décembre /2009 12:59

تحليل نص لأفلاطون حول الفضيلة

أحمد أغبال

أجرت الباحثة مارالي هارل Maralee Harrell تجربة عبر سلسة من الدروس تندرج في المدخل إلى الفلسفة شملت 139 طالبا؛ وكان الهدف من هذه التجربة هو التحقق من الفرضية التالية: إن استعمال خطاطات الاستدلال الفلسفي يساعد على تنمية قدرة التفكير النقدي لدى الطلبة. وتوصلت إلى أن استعمال خطاطة الاستدلال يزيد من قدرة المتعلمين على الفهم والتحليل وتقييم البراهين والأدلة والتفكير النقدي(*). سنقدم فيما يلي الخطاطة التي رسمتها الباحثة لأحد البراهين التي قدمها أفلاطون في محاورة مينون لإثبات أطروحته على لسان سقراط، وذلك تعميما للفائدة.  

تقديم النص

النص المقترح للتحليل هو الجزء الخامس من محاورة مينون تحت عنوان"عود إلى تحليل الفضيلة ونظرية الرأي الصائب". من المعلوم أن محاورات أفلاطون هي من نوع الخطاب الذي يمتزج فيه الأسلوب الجدلي الحجاجي بالأسلوب البرهاني المنطقي؛ ولذلك يكون من الصعب الكشف عن الأطروحة التي يدافع عنها الفيلسوف وعن القضايا الاستدلالية التي تدعمها، وإن كان من السهل بيان الإشكالية التي بعالجها. وتزداد هذه الصعوبة لدى الأفراد الذين يعيشون في ظل ثقافة يطغى فيها البيان بحجاجه على الاستدلال والمنطق، حيث لا توجد كلمات تميز تمييزا واضحا بين فعل persuader وفعل convaincre. في هذا السياق، يصبح كل ما يفحم المخاطَبَ دليلا مقبولا سواء أكان مبنيا على أساس علمي رصين أو على أساس مغالطي. يبدو وكأن الإبستومولوجيا المهيمنة توجهها الروح المكيافيلية.

اختير هذا النص لكونه يلخص نتائج الفصول السابقة كلها، ويشتمل على جميع القضايا الاستدلالية التي تندرج في بنية البرهان، ويعلن عنها بوضوح أكبر. ومع ذلك، فإن الأسلوب الخطابي-الجدلي كثيرا ما يلقي بظلاله على الأسلوب البرهاني ويجعل من الصعب إدراك العلاقات بين القضايا. لم تكن وظيفة الأسلوب الخطابي-الجدلي في المحاورة هي الإقناع، وإنما كان الهدف منه، في المقام الأول، هو خلق الاضطراب في نفس مينون من خلال إيقاعه في التناقض، ودفعه إلى الشك في معتقداته كخطوة أولى لقبول نتائج البرهان.

وكان الغرض من اختيار هذا النص هو بيان أهمية الدور الذي يلعبه رسم خطاطة الاستدلال الفلسفي في بناء الدرس، من جهة، وفي تنمية القدرة على الفهم والتحليل والمناقشة والتفكير النقدي لدى المتعلمين، من جهة أخرى. وسوف نغتنم هذه الفرصة لبيان بعض الإجراءات المنهجية لتحليل النصوص الفلسفية.

صاغ أفلاطون الإشكالية التي كانت مطروحة في زمانه بوضوح تام في الفقرة الأولى من القسم الأول من محاورة مينون. ولقد جعلنا من هذه الفقرة مقدمة للجزء الخامس الذي قررنا معالجته. يتعلق السؤال الذي طرحه أفلاطون في بداية المحاورة، والذي لا يزال مطروحا حتى اليوم، بما إذا كانت الفضيلة تعلم أم لا تعلم. كان لهذه الإشكالية في زمانه بعد سياسي خاص إضافة إلى بعدها التربوي والأخلاقي. ذلك لأن من يتولى الحكم وتدبير شأن المدينة-الدولة اليونانية لم يكن له من العلم دائما قسط وافر من العلم. وانطلاقا من هذه الخلفية، كان لابد من طرح السؤال المتعلق بما إذا كانت للفضيلة علاقة بالعلم، من جهة، وبالظن الصحيح أو الحدس السليم، من جهة أخرى؛ وبعبارة أخرى، ما هو مصدر الفضيلة ؟ إن الجواب على هذا السؤال سيفضي بصاحبه منطقيا إلى إصدار حكم بخصوص من يتولون تدبير شؤون المدينة. فإذا كان مصدرها هو التربية والتعليم، لزم أن يكون الحكام من فئة الفلاسفة والعلماء. وإذا كانت الفضيلة على صلة وثيقة بالرأي السديد المبني على ضرب من ضروب الحدس فقط، فما هو منبعها الأصلي ؟ وإذا كان مصدرها شيئا آخر غير العقل، فإنه من المحتمل أن يكون مصدرها إلهيا. هذه هي أطروحة أفلاطون أو سقراط؛ وهي على ما يبدو، لا تنسجم تمام الانسجام مع النظرية السياسية لأفلاطون التي قضت بأن يكون حاكم المدينة الفاضلة فيلسوفا. ومهما يكن من أمر ذلك، فإن المهمة التي ما فتئت تشغل اهتمامنا تتعلق ببناء خريطة الاستدلال الفلسفي لنص مينون. ولسوف تيسر لنا هذه العملية الإجراءات المتعلقة بمناقشة الأطروحة الأفلاطونية وبيان مدى أهميتها وحدودها.

بناء خريطة الاستدلال كوسيلة لتنمية القدرة على التفكير النقدي

تعتبر تنمية التفكير النقدي أحد الأهداف الرئيسية للعملية التعليمية-التعلمية. ويستلزم التفكير النقدي امتلاك العديد من القدرات وفي مقدمتها الفهم، والتحليل، وتقييم الأدلة والبراهين وأساليب الاستدلال. ولذلك يمكن القول: إن القدرة على التفكير النقدي هي قدرة بالغة التعقيد وصعبة المنال. يرى بعض الباحثين ممن يهتمون بدراسة وتطوير طرق وأساليب تدريس الفلسفة أن رسم خريطة الأدلة الفلسفية هي من أكثر طرق التدريس فعالية لأنها تيسر الفهم والتحليل والتقويم، وتساعد بالتالي على تنمية القدرة على التفكير النقدي.

يعرف الاستدلال الفلسفي بأنه سلسلة من القضايا تمثل القضية الأخيرة فيها النتيجة وتسمى القضايا السابقة بالمقدمات التي تدعم الحصيلة النهائية. وأما خريطة الاستدلال فهي عبارة عن رسم بياني بشخص القضايا ويبين العلاقات المنطقية الاستدلالية التي تربط بعضها ببعض.

في محاورة مينون، مثلا، حاول أفلاطون أن يبرهن على لسان سقراط أن الفضيلة هبة من الله. هذه هي الأطروحة التي حاول الدفاع عنها أمام خصومه والتي ستصبح هي نتيجة البرهان. فما هي القضايا التي تدعمها ؟ وكيف تنتظم وتتسلسل ؟ لابد من الاعتراف بأن اكتشاف كيفية تسلسل القضايا مهمة صعبة بالنسبة للتلميذ، لأن الطبيعة الخطابية للنص تلقي بظلالها على بنية البرهان وتحيطها بنوع من اللبس والغموض، وتخلق الارتباك لدى القارئ. ولذلك لزم أن يكون هدف القراءة في لحظة أولى هو عزل القضايا التي تندرج في بنية البرهان. يتطلب تحقيق هذا الهدف امتلاك القدرة على التمييز والانتقاء. ومن المؤشرات الدالة على وجود أو عدم وجود هذه القدرة، هو تصور القارئ للقراءة. تكمن أهمية التصور في أنه يوجه السلوك؛ فإذا نظر القارئ إلى القراءة على أنها عملية انتقائية، يكون قد وفر لنفسه إمكانية تنمية القدرة على الانتقاء. يدل مفهوم الانتقاء، من وجهة نظر علم النفس المعرفي، على القدرة على توجيه الانتباه نحو المعلومات الأساسية وحفظها في الذاكرة القريبة المدى أو النشيطة. وعندما يتعلق الأمر بنص فلسفي، فإن المعلومات الأساسية هي القضايا التي تتشكل منها بنية البرهان. ويكون من الصعب على القارئ اكتشاف هذه القضايا ما لم يكن قد اكتسب القدرة على التمييز بين العبارات الخطابية والقضايا الأساسية التي تدعم أطروحة الكاتب.

ومن هنا تأتي أهمية التفكير الاستراتيجي الذي يستهدف الكشف عن القضايا الأساسية، ويعيد تركيبها في شكل ملموس يبرز بنية البرهان. وعندما تتضح بنية البرهان يكون من السهل تقييمها وإخضاعها للنقد. تلك، إذن، هي مراحل منهج تنمية وتطوير التفكير النقدي، وتحتل فيه القدرة على رسم خريطة القضايا الاستدلالية التي تظهر عناصر البرهان وعلاقاتها بشكل ملموس موقعا مهما للغاية. وهذا نموذج يمثل خريطة القضايا الاستدلالية التي تكشف عن بنية البرهان في نص مينون.



(*)  Maralee Harrell. “Using Argument Diagrams to Improve Critical Thinking Skills”, in Introductory

     Philosophy. Carnegie Mellon University, Department of Philosophy 135 Baker Hall, Pittsburgh, PA, 15213

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens