Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
16 septembre 2006 6 16 /09 /septembre /2006 15:28
مفهوم الحقيقة
أحمد أغبال
ما هي الحقيقة؟ وما هي الطرق المؤدية إليها ؟ وهل يمكنني بلوغها ؟ وكيف يتسنى لي معرفة ما إذا كان ما توصلت إليه هو الحقيقة أم لا ؟
يدل مفهوم الحقيقة، بالمعنى العام للكلمة، على التطابق بين القول وموضوعه، بين ما يوجد وبين حكمنا عليه. يدل القول على حكم يصدره المتكلم، وأما ما يوجد فهو الواقع الذي يتمتع بوجود موضوعي مستقل عن الذات المتكلمة. ومن هذا المنطلق يمكن التمييز بين الذات العارفة بما تحمله من أفكار أو أحكام، وبين الواقع الموضوعي أو موضوع المعرفة. ويدل مفهوم الحقيقة على القيمة التي نسعى إلى تحقيقها. أين توجد هذه الحقيقة ؟ هل توجد على مستوى الفكر أم على مستوى الواقع الموضوعي ؟ هل توجد في التطابق بين ما أقول وبين الواقع كما يبدو لي، أم في التطابق بين ما أقول وبين الواقع كما هو في ذاته ؟
إذا كانت"الحقيقة هي تطابق الشيء والعقل"، بلغة الإسكلائيين، كان لابد من المقارنة فيها بين حدين، الفكر من ناحية، والشيء أو الأشياء من ناحية أخرى. ومن هنا تنقسم الحقيقة إلى نوعين، بحسب وجهة نظرنا إلى الفكر أو إلى الشيء، وهما:
1.       الحقيقة المنطقية: وتعرّف بأنها: تطابق الفكر مع الشيء، فإذا تطابقت رواية حادث مع الواقع كانت الرواية حقيقة.
2.       الحقيقة الوجودية: وتعرف بأنها تطابق الشيء مع الفكر المعياري الذي يحكم عليها، أي تطابق الشيء مع العقل. فإذا قلت هذا رجل كريم: فمعنى هذا أن خلقه يتطابق مع قيمة الكرم كما قدرها العقل.
وقد يتم التمييز بين الحقيقة المادية والحقيقة الصورية على أساس أن الحقيقة المادية هي تطابق الفكر أو القول مع الموضوع أو مع الأشياء، أما الحقيقة الصورية فهي اتفاق الفكر مع نفسه، أي خلوه من التناقض. فالحقيقة في القياس المنطقي صورية، بمعنى أن القياس يضمن فقط صحة الانتقال من المقدمات إلى النتائج، ولا شأن له بالصحة الواقعية للنتائج، ذلك لأن النتائج تتوقف على صحة المقدمات. والقاعدة هي أن المقدمات الصادقة تنتج دائما نتائج صادقة. أما المقدمات الكاذبة فقد تنتج نتائج كاذبة أو نتائج صادقة. وعلى حد تعبير الأسكلائيين من الكاذب ينتج أي شيء (الصادق أو الكاذب)
يرى أصحاب المدرسة الواقعية أن حكمنا على شيء ما يجب أن يعكس ذاك الشيء كما هو في ذاته. ولذلك عرفوا الحقيقة بأنها التطابق بين الحكم أو الفكرة وبين الواقع الموضوعي كما هو في ذاته في استقلال عن مداركنا. إن المعرفة بهذا المعنى سعي متواصل لمعرفة حقيقة الواقع، وأما المنهج المعتمد لبلوغها فهو المنهج التجريبي الذي تلعب فيه الملاحظة والتجربة دورا كبيرا. وأما دور العقل فينحصر في استخلاص القوانين من المعطيات التجريبية. وتعتبر التجربة المعيار الذي يمكنهم من التمييز بين الصواب والخطأ، إنه المعيار الأساسي للحقيقة.
تعتبر التجربة إذن هي صلة الوصل بين الذات العارفة وموضوع المعرفةـ إنها قنطرة العبور من العالم الداخلي إلى العالم الخارجي. يستلزم البحث عن الحقيقة، إذن، الخروج من الذات أو التجرد من الذاتية من أجل فهم الواقع كما هو لا كما نريده أن يكون. مواجهة الواقع الخارجي تعني جمع المعطيات بطريقة موضوعية وتحليلها واستقراءها بطريقة موضوعية، واستنطاقها، واستخلاص كل ما يمكن استخلاصه منها من معلومات. إن التجربة وسيلة لاستنطاق الواقع، إنها حوار بين الذات العارفة والطبيعة. يتوقع أن تبوح الطبيعة بأسرارها في هذا الحوار.
ومن الصعوبات التي تعترض الباحثين من ذوي النزعة التجريبية أنه كثيرا ما يمتزج المعطى الموضوعي ببعض العناصر الذاتية في بحوثهم. لذلك كان من الواجب أن يبذل الباحث قصارى الجهد لفصل ما هو موضوعي عما هو ذاتي. وربما كان السبب الرئيسي للوقوع في الخطأ هو عدم القدرة على تحقيق شرط الموضوعية. إن تحقيق شرط الموضوعية يعني انتصار الحقيقة على الخطأ. وما أصعب أن يتخلص المرء من الذاتية التي تعتبر المصدر الرئيسي للخطأ في مجال البحث العلمي، بحيث يمكن القول إن التقدم العلمي وتبلور الحقيقة هما نتاج تنامي القدرة على التجرد من الذاتية والتعامل مع الأشياء كما هي. ولعل ذلك هو ما تدل عليه عبارة باشلار المشهورة: "ليست هماك حقيقة أولى، هناك فقط أخطاء أولى".
وإذا كان الفلاسفة التجريبيون الكلاسيكيون من أمثال جون لوك ودافيد هيوم يعتقدون أن الحقيقة هي انعكاس للواقع في الذهن، فإن الاتجاهات الواقعية المعاصرة ترى أن الواقع يتمتع بوجود موضوعي، ومع ذلك لا يوجد في استقلال تام عن الذات العارفة. هناك نوع من الارتباط بين الذات العارفة وموضوعها. فإذا كانت الذات العارفة تتعامل مع موضوعها باعتباره معطى، فإنها لا تكتفي بالنظر إليه من الخارج، بل تعيد بناءه وفقا لمقولاتها. وهكذا يصبح الواقع في نظر العلماء موضوعيا وعقليا في نفس الوقت. ويدل مفهوم الحقيقة من وجهة النظر هذه على البناء العقلي للواقع. وهذا البناء هو بناء منفتح وليس نهائي، ينمو ويتطور، مما يدل على أن الحقيقة نسبية جدا، وأنه من المستحيل الحديث عن حقيقة نهائية. ومعنى ذلك أيضا أن البحث عن الحقيقة هو بحث مستمر لا يتوقف. لا أحد يملك الحقيقة، إذن، الجميع يبحث عنها.
يعرف القديس طوما الأكويني الحقيقة بأنها "التلاؤم بين الشيء والروح". تؤيد تجارب الحياة اليومية هذا التصور. فعندما أقول مثلا: "المطر يتساقط"، فإن قولي يعتبر صحيحا إذا كان المطر يتساقط بالفعل. هناك إذن تطابق بين مضمون الكلام والتجربة أو الواقع. ولكن الحقيقة هنا صفة من الصفات التي ينعت بها الكلام أو الحكم الذي أصدره عن الواقع، وأما الوقع في حد ذاته فلا يمكن القول عنه بأنه صحيح أو خاطئ. إن الشيء في حد ذاته ليس صحيحا أو خاطئا، ولكنه يمكن أن يكون موجودا أو غير موجود. فإذا كان الشيء موجودا، إذا كان المطر يهطل بالفعل، فإن كلامي عنه لا يغير من وضعه شيئا. فإذا قلت عنه إنه لا يهطل فإنه لن يتوقف عن التساقط. وفي هذه الحالة يكون حكمي عنه حكما خاطئا.
ويعرف هايدجر الحقيقة على طريقته في الرجوع إلى الاشتقاق اللغوي الأصيل بأنها "الكشف"، لأن كلمة "حقيقة" باليونانية مؤلفة من البادئة وتعني السلب والنفي، والفعل أي هو مستور، مختفي محجوب. ويميز هايدجر بين الحقيقة الوجودية والحقيقة الموجودية (الأنطلوجية). والحقيقة الوجودية هي حقيقة الوجود، أي منظورا إليها قبل وصف الموجود بأي وصف، بينما الحقيقة الأنطلوجية هي الحقيقة التي تنكشف للشعور، أي بعد الوصف بالأوصاف الخاصة بالوجود، إنها انكشاف الوجود في ذاته للشعور

نستنتج مما سبق أن الحقيقة قيمة من القيم الإنسانية التي لا تنتمي إلى عالم الأشياء. ذلك لأن موضوعات العالم الخارجي لا تكون لها قيمة إلا في ضوء اهتمامنا بها. تنتمي الحقيقة إذن إلى عالم اللغة، وتعبر عن طبيعة العلاقة التي نقيمها مع الواقع، من حيث أنها تصف كلامنا عن الأشياء ولا تصف الأشياء ذاتها. إن القضايا التعبيرية هي التي يمكن وصفها بأنها صحيحة أو خاطئة، وهو ما عبر عنه أرسطو، مؤسس علم المنطق، بقوله إن القضايا المنطقية هي "الخطاب الذي يحتمل الصدق والكذب".

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens