Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
15 septembre 2006 5 15 /09 /septembre /2006 22:28

 

لغة الفص الأيمن ولغة الفص الأيسر من الدماغ
أو لغة العقل ولغة القلب
أحمد أغبال
تميز تاريخ الفلسفة بوجود توتر دائم بين الفلسفة والشعر أولا، وبين الفلسفة واللاهوت ثانيا. تقف جمهورية أفلاطون شاهدا على مدى حدة الصراع بين الفلسفة والشعر، بينما يشهد كتاب» تهافت الفلاسفة« للغزالي وكتاب»تهافتالتهافت« لأبن رشد على مدى قوة الصراع بين الفلسفة اللاهوت. ففي الجمهورية هاجم أفلاطون أكبر شعراء الإغريق وهو هوميروس صاحب الإلياذة والأوديسة، وذلك في إطار مناهضته ونقده للتصور الأسطوري للكون والتفسيرات الذاتية-الوجدانية لما يجري فيه من ظواهر وأحداث. وإنما أراد أفلاطون أن يقدم لنا تصورا عقليا للكون وتفسيرا موضوعيا لظواهره من خلال التمييز بين الذات والموضوع تمييزا واضحا وصارما. وما لبث أن أخذ الصراع بين من ينظر إلى الكون بعين العقل ومن ينظر إليه بنور القلب شكلا آخر تمثل في النشاز والتنافر بين من يميل أكثر إلى استخدام أسلوب البرهان العقلي ومن يميل أكثر إلى استخدام الأسلوب الخطابي أو الجدلي الذي يتوجه إلى المشاعر والوجدان. يبدو أن كل الحضارات الإنسانية تخترقها مثل هذه التيارات المتنافرة التي تتحكم فيها قوى العقل وقوى الوجدان. فما هو مبدأ هذا التنافر الذي قد يصل في بعض الأحيان على حد الفصام والقطيعة؟
دعوما نجازف باقتراح تفسير لهذا الفصام، وسوف نعتمد في ذلك على نتائج البحوث التي أجريت في ميدان علم النفس الفيزيولوجي ونتائج البحوث المتعلقة بتشريح الدماغ والجهاز العصبي.
يميز علماء التشريح في الدماغ بين فصه الأيمن وفصه الأيسر، واكتشفوا أن لكل واحد منهما لغة خاصة به:
1-    لغة الفص الأيسر:
-       لغة رقمية  Langage digital
-        العلاقة بين العلامة والدلالة في هذه اللغة اعتباطية. إن الناس هم الذين يتواضعون على المعاني المرتبطة بسلسلة معينة من الأصوات. تعبر هذه اللغة عن أنماط التمثل الرقمي المستخدم في مجال الرياضيات.
-        ينتج نمط التفكير الرقمي صورا ذات طبيعة عقلية عن العالم. مقاربته للأشياء من نوع المقاربات المنطقية المتسلسلة الخطوات، تخضع لقواعد منهجية مضبوطة ومحددة بدقة.
-        المشكلة بالنسبة لهذا النمط من التفكير تكمن في كونه يرى الجزئيات ويعمى عن رؤية الكليات. يرى الشجرة ولا يرى العابة.
2-    لغة الفص الأيمن:
-        يتكلم ببلاغة الصمت، ويتحاشى استخدام القضايا المنطقية.
-        لا يأخذ بعين الاعتبار البعد الزمني للأحداث وتسلسلها وعلاقاتها السببية. يقاوم الزمن ويرفض تقسيم التاريخ إلى مراحل.
-        العلاقة بين العلامة وما تشير إلية علاقة مباشرة تتحقق بواسطة الصيغ البلاغية(التشبيه، المجاز..)
-        ينتج التمثلات عن طريق التخييل والتقنيات البلاغية. لا يحتاج إلى استحضار جميع العناصر لبناء الكلية أو الجشطلت. باستطاعته أن يعيد إنتاج الوحدات الكبرى أو الصور انطلاقا من عنصر واحد. وأما الصور التي ينتجها بهذه الطريقة فهي صور ذات طبيعة وجدانية (وليست عقلية). إن نظرته إلى العالم نظرة تغلب عليها العاطفة. ويميل صاحب هذه النظرة إلى استخلاص نتائج غير منطقية منها.
-        يعتمد على المقاربة الشمولية في تعامله مع موضوعات العالم بدل المقاربة المتسلسلة الخطوات. ولذلك يدرك الكليات ولا يبالي بالجزئيات. يرى الغابة ويعمى عن رؤية الأشجار.
-        متخصص في العلاقات العامة التي تنظم البنيات المعقدة. يستطيع إعادة بناء البنية انطلاقا من عنصر واحد له دلالة خاصة بالنظر إلى التجربة الذاتية للفرد. يتحقق إدراك البنيات المعقدة دفعة واحدة بواسطة ضرب من ضروب الحدس الوجداني. حيث إن الجزء يوحي بالكل ويستحضره دفعة واحدة دون مراعاة قواعد اللغة الرقمية، ولكنه يفرض نفسه بقوة لا مثيل لها في عالم الفص الأيسر.
نستنتج من خلال إجراء مقارنة بين لغة الفص الأيمن ولغة الفص الأيسر أنه إذا كان الفص الأيمن ينتج التركيبات والصور الشمولية فإن الجهة اليسرى من الدماغ تحاول عقلنة هذه الصورة وتميز فيها بين الذات والموضوع.
يمكن أن نستنتج مما سبق بعض الوقائع المحتملة: قد يحصل الانسجام بين وظيفة الفص الأيمن ووظيفة الفص الأيسر لدى الفرد وقد يحصل التنافر بينهما. وربما أدى هذا الأخير في حال وجوده إلى حدوث تصدع أو شرخ في الشخصية. يمكن أن نفترض وجود علاقة بين وظائف الدماغ المشار إليها وبين ثقافة المجتمع: فمن الثقافات ما ينبه ويحفز فصا ويشل آخر، فتنمو قوى أحدهما على حساب الآخر، ويتجلى ذلك من خلال المنتوجات الثقافية، حيث تسود ثقافة العقل (الفلسفة والعلوم والتقنية) إذا كانت المنبهات الثقافة تتجه أكثر نحو الفص الأيسر من الدماغ، أو تسود ثقافة الوجدان (الشعر والدين والأسطورة) إذا كانت المنبهات الثقافية تنصب أكثر على الفص الأيمن. وعندما تنمو الثقافة الناشئة عن فص اليمين على حساب الثقافة المرتبطة بفص اليسار في مجتمع ما فإنه يتوقع حدوث شرخ وتصدع في أركان المجتمع.    
وخلاصة القول إن العبقري هو من يجمع بين منطق الفلسفة ومنطق الشعر، بين المقاربة التحليلية المتسلسلة الخطوات والمقاربة التركيبية الشمولية.
لمزيد من المعلومات حول لغة الفص الأيمن ولغة الفص الأيسر من الدماغ أحيلكم على المرجع التالي:
 
 
Paul Watzlawick (1980). Le langage du changement:
élément de communication thérapeutique. Paris, Edition du Seuil
 
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens