Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
11 septembre 2006 1 11 /09 /septembre /2006 00:36

مسألة العلاقة بين اللغة والواقع

مسألة العلاقة بين اللغة والواقع

 ويقودنا منطق هذا التحليل بالضرورة إلى طرح قضية أخرى ذات صلة وثيقة بإشكالية العلاقة بين اللغة والفكر، يتعلق الأمر بمسألة العلاقة بين اللغة والواقع. لقد رأينا أن اللغة تعبر عن الفكر، وأن اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة. بقي أن نعرف ما هي وظيفة الكلمات في اللغة، وإلى ماذا تشير وعلى ماذا تحيل. هل تشير إلى موضوعات العالم الخارجي أم إلى شيء آخر؟

 يتعلق الأمر هنا بالكلمات التي تستعمل للدلالة على بعض الموضوعات من نوع الأشجار والحجارة والأدوات...الخ، باستثناء أسماء الأعلام التي تشير إلى كائنات محددة ومتميزة، والأفعال التي تعبر عن السلوك - رغم أنه يمكننا أن ننظر إلى السلوك مثلما ننظر إلى الأشياء – وكذا الحروف والضمائر وأسماء الإشارة وما إلى ذلك. هناك اتجاه في الفلسفة يعرف بالاتجاه الاسمي يتبنى فكرة مفادها أن الكلمات تشير إلى الأشياء وأن لكل شيء في الواقع كلمة تقابله. تبدو هذه الفكرة بسيطة، إلا أنها مع ذلك تطرح إشكالية عويصة. فإذا تم التسليم بأن الكلمات تشير إلى الأشياء لزم التساؤل عما هو الجانب الذي تحيل عليه في تلك الأشياء. لأي شيء تشير كلمة "شجرة" مثلا، هل تشير إلى هذه الشجرة الماثلة أمامي، أم إلى جميع أنواع الأشجار؟ إن كلمة "شجرة" هي في الواقع مفهوم عام يشير إلى جميع أنواع الأشجار، ولا يشير فقط إلى هذه الشجرة المتفردة بخصائصها العيانية الملموسة. إن أسماء الأعلام هي التي تشير وحدها إلى الكائنات المتفردة. ولو كانت كل كلمة تشير إلى كائن مخصوص متفرد لكان عدد كلمات القاموس بقدر عدد الكائنات الموجودة في الطبيعة، ولكان من المستحيل الإحاطة بها. ومن هنا يتبين أن الكلمة مفهوم عام يعبر عن عدد لا حصر له من الكائنات التي تشترك في بعض الخصائص. ومن هنا تطرح مسألة المعايير المعتمدة لتصنيف الكائنات وتنظيم العالم واختزاله في عدد محدود من المقولات. فما هي معايير التصنيف ؟ وكيف يتم بناء المفاهيم ؟ وهل ينهج جميع الناس نفس الطريقة في تصنيف الكائنات وبناء المفاهيم ؟ ما هي المعايير المعتمدة لتسمية الأشياء ؟

 طرح أفلاطون هذه الإشكالية بطريقة غير مباشرة في محاورة كراتيل (انظر النص في الكتاب المدرسي) كما طرحها برجسون Bergson بشكل واضح في كتابه تحت عنوان الضحك Le rire.

 ففي محاورة كراتيل طرح أفلاطون المسألة المتعلقة بتسمية الأشياء وحاول الإجابة عنها بالاعتماد على الأسلوب السقراطي في الحوار الذي تقابلت فيه أطروحة كراتيل Cratyle مع أطروحة غريمه هيرموجينHermgène. تتمثل أطروحة كراتيل في وجود علاقة طبيعية بين الأسماء والأشياء. فالاسم في نظره تقليد صوتي للشيء الذي يشير إليه. إنه صورة صوتية تعيد إنتاج الشيء. هناك إذن تطابق أو تماثل طبيعي تام بين الاسم والشيء. وأما أطروحة هيرموجين فإنها لا تختلف عن أطروحة كراتيل إلا من حيث أنها تستبعد أن تكون العلاقة بين الاسم والشيء الذي يشير إليه طبيعية أو ضرورية. فهو يتفق معه في وجود تماثل بين الكلمة والشيء، ويختلف معه في كون العلاقة بينهما غير طبيعية أو ضرورية بل اعتباطية. إن الطبيعة لا تفرض الأسماء على الناس، ولكن الناس هم الذين يتواضعون عليها.

 ولما وصل الخلاف بينهما إلى حد القطيعة وعدم التفاهم طلبا من سقراط أن يحسم في المسألة المطروحة. ولكن سقراط تعامل معهما وفقا لاستراتيجية ذكية تهدف إلى العصف بمواطن الاتفاق بينهما لا إلى حسم الخلاف لصالح أحدهما. لقد كان هدفه هو دحض الرأي القائل بوجود تماثل بين الاسم وما يشير إليه. حاول في البداية أن يقنعهم بضرورة التمييز بين الأشياء كما هي في ذاتها أو كما هي من حيث جوهرها والأشياء كما تبدو لنا؛ بين الأشياء كما هي في الواقع في استقلال عن مداركنا، وبين تجلياتها أو مظاهرها التي ندركها بحواسنا. فالأشياء تبدو لنا غير ثابتة، متغيرة ونسبية في علاقة بعضها ببعض وفي علاقتها بذواتنا وبمداركنا الحسية. وأما الأشياء في ذاتها فهي ثابتة وغير نسبية لا بالنسبة لنا ولا بالنسبة لبعضها البعض. ذلك لأن الشيء في ذاته ليس محسوسا، إنه جوهر معقول، فكرة أو صورة. إن لكل شيء بعد جوهري وبعد عرضي. ويتميز الجوهر بكونه ثابت وذو طبيعة عقلية أو روحية، في حين أن العرض ثابت وله طبيعته مادية. وإذا صح أن الاسم يشير إلى الشيء، فلأي بعد منه يشير؟ هل يشير إلى بعده الجوهري أم إلى بعده العرضي؟

 وبناء على هذا التمييز اعترض سقراط على كل من أطروحة كراتيل وأطروحة هيرموجين. ففيما يتعلق بأطروحة كراتيل استخدم سقراط أطروحة هيرموجين لدحضها مؤكدا أن العلاقة بين الاسم والشيء ليست طبيعية أو ضرورية بل اعتباطية. وأما حجته في ذلك فهي اختلاف اسم الشيء الواحد من لغة إلى أخرى. إن الناس هم الذين يبتكرون الأسماء ويتواضعون عليها، وهو ما يفسر تنوع اللغات وتباينها. واستطرد قائلا إذا كان الاسم صورة صوتية للشيء وكان مماثلا له فإنه لن بعود اسما، سيصبح توأما أو ضعفا لذلك الشيء، ولن يماثل منه بالتالي إلا أعراضه لا جوهره. وما يدل على ذلك هي الأسماء التي استشهد بها كراتيل نفسه، وهي الأسماء التي تضاهي أصوات الأشياء التي تطلق عليها من مثل كلمة "مواء" في اللغة العربية التي لا تعدو أن تكون مجرد تقليد لصوت طبيعي هو صوت القط.

 وفي المقابل، استخدم سقراط أطروحة هيرموجين لدحض أطروحة كراتيل، وقال إنه إذا صح القول بأن الكلمات هي نتاج المواضعات فإنه من الخطأ أن يعتقد المرء أنها مماثلة للأشياء كما هي في ذاتها – أي لجوهرها – إن الأسماء المتواضع عليها لا تماثل إلا أعراض الأشياء التي تشير إليها. فهي تشير إلى مظاهر الأشياء لا إلى جواهرها. فإذا قلنا مثلا إن الشيء كبير أو صغير، فهو كبير أو صغير بالنسبة لنا نحن، وأما الشيء في ذاته فليس كبيرا ولا صغيرا. فالكبر أو الصغر ليس خاصية من الخصائص الجوهرية للشيء، إنه مظهر أو صفة نلحقها بالشيء. وهذا مثال يوضح هذه الفكرة، وهو المثال الذي قدمه ديكارت لبيان الفرق بين الجوهر والعرض. يمكن الفول عن حجر إنه ساخن، ولكن الحجر في ذاته ليس ساخنا. كل ما هناك هو أن حرارته تفوق حرارة الجسم الذي يلامسه. وهذا مثال آخر: الماء والبخار والجليد كلمات تبدو كما لو كانت تعبر عن ثلاثة أشياء مختلفة اختلافا جوهريا، ولكنها تعبر في الواقع عن شيء واحد يبدو في أشكال وحالات مختلفة. فالجوهر واحد ولكن مظاهره متعددة ومتنوعة. ذلك لأن الماء والبخار والجليد لهم نفس التركيب الكيماوي. ولذلك دعا سقراط إلى أن يكون المشرع، ويقصد به واضع الأسماء، هو الفيلسوف العالم بجواهر الأشياء، لا عامة الناس.

 وخلاصة القول إن سقراط، ومن خلاله أفلاطون، تعامل مع النزعة الاسمية بطريقة نقدية لبيان حدودها، ولكنه  لم يرفض المبدأ الذي تقوم عليه، وهو مبدأ التماثل بين الاسم والشيء. حيث اكتفى بالقول إن الاسم يمثل جوهر الشيء لا مظهره الخارجي. وحكم على الأسماء المتواضع عليها بأنها أسماء غير سليمة، وظل يحلم بالأسماء المناسبة الدقيقة في انتظار المشرع الحكيم ذي الرؤية السديدة العميقة.

 وكذلك اتخذ برجسون موقفا نقديا من النزعة الاسمية مثلما فعل سقراط وأفلاطون، وحاول الكشف عن عيوبها وبيان حدود اللغة بصفة عامة. وعبر عن موقفه تجاه النزعة الاسمية بقوله:

   "وجملة القول أننا لا نرى الأشياء كما هي، فنحن نكتفي في الغالب بقراءة التيكيتة étiquette الملصقة عليها. إن هذا الميل إلى الاكتفاء بقراءة التيكيتة، والذي يصدر عن الحاجة، يزداد قوة تحت تأثير اللغة. لأن الكلمات (باستثناء أسماء الأعلام) تشير جميعها إلى الأجناس والأنواع. فالكلمة التي لا تسجل من الشيء إلا مظهره المبتذل ووظيفته التي يشترك فيها مع غيره تتسرب بيننا وبين ذلك الشيء، وتحجب عنا شكله، هذا إن لم يكن ذلك الشكل قد توارى من قبل خلف الحاجات التي أدت إلى ابتكار تلك الكلمة.

 وليست الأشياء الخارجية وحدها هي التي تتوارى عنا خلف الكلمة، إن حالاتنا الشعورية تتوارى بدورها بكل ما تنطوي عليه من مشاعر حميمة وشخصية وتجارب نفسية أصيلة. فعندما تغمرنا مشاعر الحب أو الكراهية، وعندما نشعر بالفرح أو الحزن، فما الذي يصل إلى وعينا منها ؟ أهو شعورنا بأطيافه الدقيقة الهاربة المتعددة الألوان وبإيقاعاته العميقة المتكثرة التي تجعل منه شيئا خاصا بنا بشكل مطلق؟ فلو أنها كانت تصل إلى وعينا كما هي لكنا جميعا رومانسيين، ولكان الجميع شعراء وموسيقيين. لكننا لا ندرك من حالاتنا الشعورية في الغالب إلا امتداداتها الخارجية، ولا نستحضر منها في أذهاننا إلا مظهرها اللاشخصي [الذي لا يخص شخصنا بعينه]، ذلك المظهر الذي كان بإمكان اللغة أن تسجله وتحتفظ به بشكل نهائي طالما أنه يمثل تقريبا نفس المظهر الذي يتجلى في نفس الشروط لدى جميع الناس. وهكذا ينفلت منا التفرد ويبتعد إلى درجة يصبح معها كل فرد عاجزا عن الإمساك بتفرده [أي بما يجعل منه فردا فريدا متميزا].

 يتبين من هذا النص أن برجسون من أنصار النزعة الاسمية. فالكلمة في نظره تيكيتة تلصق على الشيء. ولكنه شبه الكلمات بحجاب شفاف يفصل بيننا وبين الأشياء الخارجية، كما يفصلنا باعتبارنا ذواتا واعية عن حياتنا الداخلية العاطفية، ويحول دون رؤيتها بوضوح. ذلك لأن الكلمة مفهوم عام، ونظرا لكونها كذلك فإنها تطمس الخصوصيات التي ينفرد بها الشيء الذي تشير إليه، وتخفي خصوصية حالاتنا الشعورية. فإذا كان أفلاطون لا يريد للكلمات أن تشير إلى مظاهر الأشياء، على غرار أستاذه سقراط، فإن برجسون لا يريد لها أن تخفي المظاهر بما تنطوي عليه من خصوصية. وإذا كان أفلاطون يرى أن معيار تصنيف الموجودات يكمن في الخصائص الجوهرية المشتركة، فإن برجسون يرى على العكس من ذلك أن معيار التمييز هو المنفعة في علاقتها بالحاجة. إن الكلمة، في نظره، تيكيتة نلصقها على الشيء بدافع الحاجة إليه. ومعنى ذلك أن الأشياء التي لا نحتاج إليها نعرض عن تسميتها. ولا تسمى الأشياء إلا في ضوء ما تحقق من منافع، ولذلك لا تعكس من الأشياء إلا ما له علاقة بحاجاتنا ومنفعتنا وأنشطتنا.

 تكمن المشكلة في نظر برجسون في كون الكلمة أكبر من الشيء الذي تشير إليه، ومعنى ذلك أنها على قدر كبير من العمومية بحيث تخفي خصوصية الشيء وتقضي على تفرده. ونظرا لعموميتها تعجز الكلمات أيضا عن الإحاطة بحالاتنا الشعورية وتطمس خصوصية تجاربنا النفسية. وبذلك تتبين لنا حدود اللغة الإنسانية عندما ننظر إليها في ضوء فلسفة برجسون.

 يتبين من هذا التحليل أن النزعة الاسمية الني تقوم على الاعتقاد بأن الكلمات تشير إلى الأشياء، كثيرا ما تعرضت للنقد حتى من طرف المنتمين إليها. وينصب النقد دائما على المعايير المستخدمة لتصنيف الموجودات وتسميتها (أفلاطون) وعلى قدرة الكلمات على التعبير عن الأشياء بدقة (برجسون). فما دلالة هذه الانتقادات ؟ إن ما يؤكد عليه النقاد على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم هو أن الكلمات لا تماثل الأشياء ولا تطابقها، سواء تعلق الأمر بالمجموعات المصنفة أو بالأشياء المتفردة. فالتصنيف المقام على مستوى اللغة لا يتطابق مع كيفية تقطيع الواقع. أن التصنيف اللغوي والتقطيع الواقعي يتعارضان مثلما يتعارض الجوهر والعرض في نظر أفلاطون ما دامت الكلمات المستعملة في اللغة المتداولة لا تعكس من الواقع إلا أعراضه. ويتعارضان في نظر برجسون مثلما يتعارض العام والخاص. وما يحاول النقد إظهاره والتنديد به في كلتا الحالتين هو الطابع الذاتي لتصنيف الأشياء. حيث يتم تصنيفها وتسميتها في ضوء ما يبدو لنا منها (أفلاطون) أو في ضوء منفعتنا وحاجاتنا (يرجسون). إن التسمية تقوم على أساس ذاتي ولذلك اعتبرت سيئة وغير لائقة.

 وهكذا، فإذا كانت التسمية ذاتية فإن معنى ذلك أن الكلمات لا تعبر عن الواقع بل عن تصورنا له. إن هذه النتيجة كافية لدحض أطروحة النزعة الاسمية. ومن هنا يطرح السؤال من جديد: لأي شيء تشير الكلمات ؟ هل تشير إلى الواقع أم إلى أفكارنا وتصوراتنا وتمثلنا لذلك الواقع ؟

لقد كان لروسو رأي خاص في هذه المسألة يستحق الإشارة إليه. تتمثل أطروحته في أن الكلمات لا تشير إلى الأشياء بل تعبر عن الأفكار العامة المجردة التي تتشكل في أذهاننا عن تلك الأشياء. ولإثبات هذه الأطروحة ميز روسو بين الفكرة والصورة المتخيلة. فالفكرة هي بناء عقلي مجرد لا تربطه أية علاقة مباشرة بالواقع، بينما الصورة من صنع الخيال، وللخيال علاقة بالواقع مرورا بالانطباعات الحسية، ومن ثمة ربط الفكرة بالكلمة، حيث جعل الكلمة تشير إلى الفكرة، وجعل الصورة المتخيلة تشير إلى شيء مخصوص. إن الكلمات لا تشير في نظره إلى الواقع، لا إلى أنواع الموجودات التي يزخر بها ولا إلى أجناسها وأنواعها، بل تشير إلى الأفكار العامة المجردة التي تعبر عن تمثلاتنا لها. فالكلمة تشير إلى الفكرة التي لدينا عن الشيء لا إلى الشيء ذاته. وبذلك جعل الفكرة تلعب دور الوسيط بين الكلمة والشيء. يمكن القول بعبارة أخرى إن الكلمة تعبر عن تعريفنا للشيء لا عن الشيء ذاته. والدليل على ذ

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens