Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
11 septembre 2006 1 11 /09 /septembre /2006 00:27

اللغة والفكر

إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر

 هل توجد علاقة بين اللغة والفكر، أم أن كل واحد منهما يوجد في استقلال عن الآخر؟ تتعلق المسألة المطروحة بما إذا كانت اللغة ضرورية لتحقيق فعل التفكير، وبما إذا كان من الممكن أن يتحقق التفكير خارج إطار اللغة. يمكن صياغة هذه الإشكالية بطريقة أخرى من خلال التساؤل عما إذا كان الفكر كيانا قائما بذاته، أم أن وجوده ملازم لوجود اللغة. هل يفكر الفرد قبل أن يتكلم، أم أن التفكير في حد ذاته كلام صامت؟  

لنفترض أن الإنسان يفكر قبل أن نتكلم. ترتكز هذه الفرضية على مصادرة أساسية مفادها أن وجود الفكر سابق على وجود اللغة، وأن الفكر يستعمل اللغة للتعبير عن نفسه. ويلزم عن ذلك منطقيا أن الفكر هو الشرط الضروري لوجود اللغة وليس العكس.  وإذا ثبت أن وجود الفكر سابق على وجود اللغة صح القول أن الإنسان يفكر قبل أن يتكلم وأن اللغة وسيلة فقط للتعبير عن الأفكار وتبليغها للآخرين. هذا هو رأي ديكارت في المسألة المطروحة.

 والحقيقة أن التعبير عن شيء ما يقتضي التفكير فيه أولا. لا أحد يستطيع أن ينكر هذه الحقيقة، على اعتبار أن الفرد لا يفكر إلا في الموضوعات الحاضرة في ذهنه. هذا هو دليل ديكارت على أسبقية الفكر على اللغة، ويبدو منطقيا للغاية. إن ما نفكر فيه جيدا هو ما نعبر عنه بدقة، ولا يكون التعبير دقيقا إلا إذا كانت الأفكار واضحة ومتميزة. يبدو أن فعل التفكير منفصل عن فعل التعبير، وأن التفكير السليم هو الشرط الضروري للتعبير السليم. والنتيجة أن التفكير منفصل عن الكلام في نظر ديكارت.

 لهذه الأطروحة جوانب إيجابية تتعلق بوضعية اللغة ووضعية الفكر على حد سواء. فإذا كان الفكر سابقا على الكلام فإن وجوده مستقل عن وجود اللغة التي تعبر عنه. ويلزم عن ذلك أن للفكر بعدا كونيا يتجاوز اللغات المحلية، وأن عملية التفكير غير مشروطة بلغة المفكر. ومعنى ذلك أن عملية التفكير تخضع لقوانين كونية تتجاوز الحدود الثقافية واللغوية، وإلا لكان التفكير المنطقي، مثلا، مقصورا على قوم دون غيره من الأقوام الأخرى. وهكذا، فإذا تقرر أن اللغة لا دخل لها في تشكل الأفكار فإن الفكرة الواحدة يمكن أن تكتسب بعدا كونيا، وتنتقل من لغة إلى أخرى دون أن يلحقها أي تشويه. يمكن التعبير، إذن، عن نفس الفكرة بلغات متعددة دون أن يغير ذلك من طبيعتها شيئا. إن اختيار لغة التعبير لا يتحدد بطبيعة الفكرة التي نريد التعبير عنها ولكن بنوع الجمهور الذي نخاطبه. فإذا اخترنا اللغة العربية للتعبير عن أفكارنا فليس لأن اللغة العربية هي أكثر اللغات قدرة على التعبير عنها، بل لأن الذين نريد أن ننقل إليهم أفكارنا يتكلمون اللغة العربية.

 وإذا كان ديكارت يعتبر اللغة مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار فربما كان هدفه من وراء ذلك هو إبراز الدور الذي تلعبه باعتبارها وسيلة للتواصل بين الناس، وكأنه يريد أن يقول إن الميل إلى التعبير عن الأفكار يتحدد بالرغبة في التواصل مع الآخرين. ومما يترتب عن هذه الفكرة أن التعبير عن الأفكار ليس هدفا في حد ذلته. إن الغاية المطلوبة هي التواصل. بحيث يمكن القول إن اللغة قبل كل شيء أداة للتواصل. وهذا ما يؤكده علم اللسانيات المعاصر.

 إن الأطروحة التي تقول بأسبقية الفكر على اللغة تستلزم القول أيضا بأن عملية التفكير مستقلة عن عملية التعبير أو الكلام، وبأن الوظيفة الأساسية للغة هي التواصل. إن ما يبرر وجود اللغة في نظر ديكارت هو التعبير عن الفكر من أجل التواصل مع الآخرين. إن اللغة تحقق وظيفة اجتماعية بينما يظل التفكير عملية ذاتية، يحتاج إلى اللغة من أجل التموضع في العالم الخارجي. ومن هنا تأتي المشكلة التي تواجه هذه الأطروحة.

 إن القول بأن عمليات التفكير وتمثل الأشياء وبناء المفاهيم والاستدلال مستقلة عن فعل الكلام يعني أن عملية التفكير عملية تتم في صمت مطبق. يشك العديد من المفكرين في صحة هذه القضية، حيث تساءلوا عما إذا كان من الممكن تمثل الأفكار والمفاهيم والقيام بالاستدلال وإصدار الأحكام من غير أن يحتاج المرء في ذلك إلى الكلام. هل تتحقق تلك العمليات العقلية خارج إطار اللغة؟ وهل يمكن الحديث عن فكر خالص متحرر من قوالب اللغة؟

 لقد أدى الجدل حول هذه المسألة إلى بروز أطروحة جديدة في ميدان الفلسفة كانت لها امتدادات في ميدان علم اللسانيات المعاصر. ويعتبر هيجل واحدا من أبرز المفكرين والفلاسفة الذين عالجوا إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر، وعبر عن موقفه منها بقوله

  1. إننا نفكر داخل اللغة. ولا يحصل لنا الوعي بأفكارنا المحددة الواقعية إلا عندما نمنحها شكلا موضوعيا ونفصلها بذلك عن حياتنا الداخلية، ونضفي عليها شكلا خارجيا، ولكن هذا الشكل ينطوي بدوره على خاصية من خصائص الأنشطة الذاتية الداخلية. […] وإنه لمن من العبث أيضا أن نعتبر احتياج الفكرة للكلمة عيبا أو نقصا فيها. يعتقد عادة، وهذا الاعتقاد وارد بالفعل، أن أكثر الأشياء سموا هي الأشياء التي يتعذر التعبير عنها. ولكن هذا الرأي سطحي ولا أساس له من الصحة. والواقع أن ما لا يمكن التعبير عنه هي الفكرة الغامضة، الفكرة التي لا زالت في طور الاختمار، والشيء الذي لا يصبح واضحا إلا بعد أن يجد الكلمة المناسبة [للإفصاح عن نفسه]. وبالتالي فإن الكلمة هي التي تمنح للفكرة وجودها الحقيقي الأكثر سموا

          لقد حاول هيجل في هذا النص إثبات الأطروحة التي تقول إن الإنسان يفكر داخل اللغة لا خارجها وأن فعل التفكير لا يتحقق في استقلال عن فعل الكلام أو تركيب الجمل. ويستدل على ذلك بقوله إن الفكرة لا تكتسب وجودها الفعلي إلا عندما تصاغ صياغة لغوية. إن الصياغة اللغوية هي ما يجعل الفكرة تتحقق بالفعل، وبذلك نتمكن من الوعي بها. يقوم دليله على التمييز بين العالم الداخلي والعالم الخارجي، بين الذاتية والموضوعية. فعندما تكون الفكرة في الداخل تكون غارقة في الذاتية باعتبارها جزءا من النشاط النفسي غير المعبر عنه، وبذلك تكون غامضة وغير محددة المعالم. وبالكلمة تنفصل عن الذاتية وتتحقق في الخارج، ونقول عنها إنها تموضعت، وأصبح لها وجود موضوعي، وغدت واضحة متميزة تفرض نفسها علينا مثل أي موضوع خارجي. ولا يجب أن نستنتج من التمييز بين الذاتي والموضوعي أن الفكر واللغة منفصلان عن بعضهما البعض انفصالا كليا. إن ما يجب أن فهمه من ذلك هو أن الأنشطة الذاتية لا تنتج أفكارا واضحة ومتميزة إلا عندما تصوغها في قالب لغوي ونموضعها. ومعنى ذلك أيضا أن الفكر بدون لغة يظل عبارة عن سدبم مبهم أو ركام من العناصر غير المتميزة. إن اللغة هي التي تجعل الأفكار واضحة ومتميزة، وتتيح لنا يذلك فرصة الوعي بها. فبدون لغة لا يمكن أن نعرف فيم نفكر عندما نفكر، إذ كيف يمكن أن يحصل لنا الوعي بأفكارنا إن لم نقم بصياغتها في قالب لغوي؟ إن فكرا بدون لغة هو فكر غير واع أو لنقل إنه جزء من اللاوعي.

     وربما اعترض البعض على هيجل بقولهم إن تموضع الفكرة في اللغة قد يفقدها شيئا من قيمتها. ويرد هيجل على هذا الاعتراض المفترض بقوله إنه لا يمكن لأحد أن يدعي امتلاك فكرة ما لم يقم بصياغتها في قالب لغوي فينقلها من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالفعل. إن التعبير اللغوي هو الذي يجعل الفكرة تنكشف لذاتها مثلما تنكشف لنا نحن أيضا، ويحصل لنا الوعي بها، فبدون لغة يظل الفرد غير واع بأفكاره. وخلاصة القول إن الفكرة التي لا يمكن التعبير عنها بالكلمات تساوي اللامعنى، أو لنقل إنها ليست فكرة بعد.

     وتجدر الإشارة إلى أن هيجل لا ينفي وجود الأفكار القائمة بذاتها أو غير المعبر عنها. وإذا كان قد اعترف بوجودها، فإنه يؤكد أنها لا زالت في طور الاختمار تسعى إلى الوجود بالفعل، ولا تتحقق بالفعل إلا عندما تتجسد في الكلمات. وإذا كان يرفض الفصل بين اللغة والفكر فإنه يعترف أن الفكر يتمتع بنوع من الاستقلال النسبي، وهو ما يدل عليه قوله بوجود أفكار في طور الاختمار. إنها أفكار غير مكتملة أو جنينية تقع في أدنى درجة من درجات الوجود، تشبه الوجود بالإمكان. إن فكرا بدون لغة هو في الحقيقة فكر جنيني يسير في اتجاه التحقق في الكلمة. يمكن القول بناء على ذلك إننا لا نفكر بالفعل إلا عندما نقلص الفجوة بين ما نريد أن نقول وما نقول بالفعل. ومعنى ذلك أننا لا نفكر إلا عندما نتكلم، وأن الفكر لا يوجد خارج اللغة ولا يتحقق إلا داخلها.

     نجد لدى دي سوسير أطروحة مماثلة. فهو يرى أن الفكر بدون لغة عبارة عن كتلة من الضباب لا شيء فيها يبدو متميزا واضح المعالم. إن العلامات اللسانية في نظره هي التي تجعلنا قادرين على التمييز بين الأفكار. لا وجود إذن لأفكار قائمة بذاتها، ولا يمكن الحديث عن أفكار واضحة ومتميزة قبل ظهور اللغة. وهكذا، فإذا كنا نتكلم فإننا لا نتكلم لنعبر عن الأفكار كما يقول ديكارت، بل نتكلم لنفكر، لننتج الأفكار، وليحصل لنا الوعي بها. والدليل على ذلك هو أن الكلام الداخلي مع الذات لا يظهر إلا عندما تفكر. إننا نتكلم لنفكر. إن اللغة على حد تعبير ميبلوبونتي حافز الفكر كما أن الفكر حافز اللغة، كل واحد منهما يدفع بالآخر إلى التحقق في الوجود. إن الفكرة في نظره لا تكون فكرة إلا عندما بتم التصريح بها، ولا يتحقق حضورها حتى بالنسبة لذاتها إلا بالكلام. وإذا كانت الفكرة في حاجة إلى اللغة لكي تتحقق، فإن اللغة بدورها في حاجة إلى الفكر. ومعنى ذلك أنه عندما نفكر نتكلم، وعندما نتكلم نفكر. إن قدرتنا اللغوية تحدد قدرتنا على التفكير، والعكس صحيح.

     ولذلك لا يمكن القول إن اللغة وسيلة للتعبير عن الأفكار فقط أو أداة للتواصل فقط، إنها قبل كل شيء أداة لصنع الأفكار. ولذلك لا يمكن أن نتصور فكرا خارج اللغة. ومما يترتب عن هذه الفكرة أن اللغة ترسم لفكرنا حدودا لا يمكنه أن يتجاوزها. ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن ننتج من الأفكار إلا ما تسمح به اللغة التي نستعملها. إن طبيعة أفكارنا تتحدد بطبيعة اللغة التي نتكلم، وأن درجة خصوبة الفكر تتحدد بمستوى نمو اللغة. وبالتالي ليس بوسعنا أن نطمح لأكثر مما تجود به اللغة علينا. إن مستوى تطور اللغة يرسم للفكر حدودا لا يتجاوزها بحكم العلاقة الموجدة بينهما. فهما كما يقول دي سوسير وجهان لعملة واحدة، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.

       ولعل ذلك هو ما حذا بالفيلسوف الألماني هامبولت Wilhelm von Humbold إلى القول إن كل لغة تحمل في طياتها نظرة متميزة إلى العالم. إن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، إنها نظرة إلى العالم. تنطوي لغة كل شعب من الشعوب على نظرته المتميزة إلى العالم. وتختلف التصورات باختلاف اللغات. لا تنظر كل الشعوب بنفس النظرة إلى العالم، ولعل ذلك هو ما يعيق التواصل بينها في كثير من الأحيان ويتسبب في الكثير من المتاعب وسوء الفهم وانعدام التفاهم. ويترتب عن ذلك أيضا أن اختلاف اللغات يؤدي إلى تنوع طرق التفكير، وهو ما تؤكده البحوث التي أجريت في ميدان علم النفس المعرفي خلال العقود الأخيرة. فقد أثبتت هذه البحوث أن أساليب التفكير تختلف من ثقافة إلى أخرى. وتبين أن مختلف اللغات تصنف الكائنات تصنيفا مختلفا. ومن هنا تأتي صعوبة الترجمة. فقد يتمكن المترجم من ترجمة الكلمات، ولكنه لن يستطيع ترجمة أسلوب التفكير الذي تعبر عنه وتحدده. هناك إذن علاقة جدلية بين الفكر واللغة. فالفكر يحتاج في وجوده إلى اللغة وفي المقابل تؤثر اللغة في الفكر وتحدده.

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

H
مشكور على الافادة بارك الله فيك
Répondre

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens