Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
31 décembre 2007 1 31 /12 /décembre /2007 23:15

التحليل الفينومينولوجي لظواهر الوعي والأنا والغير
في فلسفة سارتر
(الجزء الثالث)
3. مسألة العلاقة بين الأنا والغير
ترجع فكرة الأنا الخالصة الشفافة التي لا يقف أي حجاب بينها وبين نفسها، والتي تعي ذاتها بشكل فوري ومباشر إلى ديكارت، ثم انتقلت من بعده إلى هوسرلHusserl ليتلقاها سارتر بدوره ويكسبها أبعادا ودلالات جديدة. ومن خصائص الأنا عند ديكارت وهوسرل أنها ذاتية محايثة للوعي. وتتجلى فكرة المحايثة بوضوح من خلال تعريف ديكارت للأنا، فهي عنده عبارة عن "شيء يفكر" أو المحل الذي تجري فيه أفعال الوعي ومختلف أنواع الانفعالات. ذلك لأننا نكون على وعي بما يجري بداخلنا ونشعر بأنه جزء من ذواتنا، فهي إذن محايثة لوجودنا الذاتي. وأما ما يوجد خارج الوجود المحايث للذاتية فهو الغير.
3-1. صعوبة معرفة الغير
إذا نظرنا إلى الأمور من وجهة النظر هذه، فإن كل ما يوجد خارج حقل الذاتية هو ما لست أنا (العالم المحيط بي، والجسم، والناس الآخرون)؛ وإذا كان الأمر كذلك، فإنه لا توجد علاقة على المستوى الذاتي بيني وبين ما يوجد في العالم الخارجي؛ وبالتالي، فإن الغير الذي يطرح نفسه في العالم الخارجي، لا يستطيع أن يشعر بما أشعر به أنا، ولا أن يستمتع بأشكال الوعي والأفكار التي تولِّد في نفسي شعورا بالمتعة؛ وفي المقابل لا يمكنني معرفة الغير مثلما أعرف نفسي. فالأشياء التي أراها، والتي ليست أنا، يكتنفها الغموض وعدم اليقين، وقد تنقلب إلى أوهام في مخيلتي. ولما كنت أنا الذات التي تنظر وتتملى الأشياء التي تحيط بها، أو التي يبدو أنها الذات التي تنظر وتتملى، فلا يمكن وضعها موضع تساؤل أو شك. ولذلك كانت غيرية الشيء الذي أنظر إليه هي العلامة الدالة على غموضه ودونيته بالمقارنة مع الوقائع الذاتية المحايثة لوجود الأنا.
ويرى سارتر من جهته أن الذاتية هي المعطى المباشر الذي يتم إدراكه بدون وسائط. تمثل الذاتية، في نظره المعطى المباشر؛ ينسجم هذا التصور مع تعريف كل من ديكارت وهوسرل للذاتية؛ ولكن سارتر ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه سابقوه في تجريدها من اللواحق الخارجية. ذلك لأن الذاتية في فلسفة كل من ديكارت وهوسرل لم تكن في مأمن من التأثيرات الخارجية بما في ذلك تأثير الأنا نفسه، ومعنى ذلك أن هاذين الفيلسوفين لم يفصلا بين الذاتية والأنا، بينما أقام سارتر تمييزا قاطعا بينهما. فالذاتية باعتبارها وعيا خالصا لا تنطوي على ما يمكن أن يقوم مقام الحامل لتيار الحياة المتدفق باستمرار. وأما "الأنا أفكر" أو الذات المفكرة، التي يمكن من حيث المبدأ تمييزها عن نشاط التفكير، فهي تمثل شيئا آخر بالنظر إلى الذاتية الخالصة؛ إن وجودها هو وجود متعالي بالنظر إلى الوقائع الذاتية المحايثة للوعي الخالص.
كيف تتحدد طبيعة الأنا إذن من وجهة نظر سارتر؟ إنها الذات الفاعلة، الذات الخالصة المندفعة في العالم بوصفها الفاعل الذي تنسب إليه الأفعال، فتصير فلاحا أو فنانا أو فيلسوفا...وعندما تصبح الأنا ذاتا نشيطة تكون قد أصبحت عرضة لتأثير الظروف المحيطة بها، فعندما تلج العالم باعتبارها ذاتا فاعلة تتأثر أفعالها بمختلف أنواع العوامل والقوى الكامنة فيه، ويصل تأثيرها إلى صلب الأنا ذاتها. ولعل أول ما يؤثر في وجود الأنا في العالم هي الوسائل والأدوات التي تستعملها في أداء مختلف الأنشطة التي تقوم بها (أدوات العمل والأجهزة المفاهيمية وما إلى ذلك) وبالنتائج التي تتوقع الحصول عليها. ولكن أكثر ما يحدد وجود الأنا في العالم هي الأشياء التي تكون كيفية وجودها مختلفة عن كيفية تصورها أو الوعي بها. يمكن القول بعبارة أخرى إن ما يحدد وجود الأنا هي حقيقة الأشياء التي يمتد وجودها خلف مظاهرها، تلك الأشياء التي يكون باطنها أقوى من ظاهرها وأعتى مما نتصور. إن أقوى التأثيرات في نظر سارتر هي تلك التي تنبعث من خلف مظاهر الأشياء.
وكذلك فإن ما يميز الذات الفاعلة الخالصة هو وعيها بالحياة التي تعيشها في اللحظة الراهنة وامتداداتها في الماضي والمستقبل. ومعنى ذلك أن للأنا أو الذات الفاعلة تاريخها الشخصي أو سيرتها الذاتية، ولها مشاريعها وتطلعاتها وآمالها وأهدافها الخاصة. وتتحدد طبيعة الأنا بنوع العلاقة التي تربطها بالماضي والمستقبل: فالأنا باعتبارها ذاتا فاعلة لا تعيش الماضي والحاضر في اللحظة الراهنة؛ وطالما أنها مسكونة بتجارب الماضي وهواجس المستقبل دون أن تؤثر فيها بشكل مباشر، فإن الماضي والحاضر يمثلان شيئا آخر مختلفا تمام الاختلاف عن تجربة الحياة الراهنة. ومعنى ذلك أنه طالما أن تجارب الماضي والتجارب المتوقعة في المستقبل تتجاوز وعيي بها في اللحظة الراهنة من حيث أن الوجود في الماضي وفي المستقبل هو أكثر مما أتصور، لأن التصور أو الظاهر لا يرقى أبدا إلى مستوى الواقع الموجود خلفه. ويخلص سارتر من ذلك كله إلى القول بأن الماضي والمستقبل يمثلان نوعا من الوقائع المتعالية، بمعنى أنهما لا ينتميان إلى تجربة الأنا في الحياة الراهنة. فإن أنت كرهت شخصا في الماضي لمدة طويلة، فإن الشعور بالامتعاض سيسطر عليك عندما تراه، وسينتابك نفس الشعور في المستقبل كلما رأيته؛ فالكراهية متعالية بالنظر إلى هذا الشعور: تغمر التجربة الشعورية الراهنة وتؤثثها لما لها من تاريخ طويل. والنتيجة هي أن للأنا وجود متعالي عن ظروف الزمان والمكان.
ومن هنا يطرح السؤال: كيف تتحدد العلاقة بين الأنا المتعالية والوعي المحايث للوقائع الذاتية؟ وما طبيعة العلاقة بين الذات الفاعلة الخالصة والغير في غمرة الحياة؟ هناك علاقة بين هذين السؤالين من حيث أن العلاقة بين الأنا المتعالية والتجارب الشعورية الراهنة توفر الإطار المناسب لفهم العلاقة بالغير. ذلك لأن الغير في نظر سارتر هو أنا آخر متعالي.
إن فهم الطبيعة المتعالية للأنا في علاقته بالوعي المحايث لتجربتي الذاتية سيساعدني على فهم طبيعة العلاقة بين الغير بوصفه أنا آخر متعالي والوقائع الذاتية لتجربتي الراهنة، لأن غيرية الآخر هي امتداد لغيرية الأنا في نظر سارتر.
ولكن، ما المقصود بغيرية الأنا؟ هل تعني وجود شرخ في الحياة الذاتية يقسمها إلى شطرين ويجعلها مستلبة الهوية؟ يعتقد سارتر بوجود اختلاف أنطلوجي بين شكل وجود الذات أو ما يسميه بالوعي الخالص وبين وجود الأنا. فالأنا هو شيء آخر مختلف اختلافا جوهريا عن الوعي أو حياة الشعور؛ فللأنا وجود متعالي بالنظر إلى وقائع الشعور والوعي، إنه من جملة الأشياء المتعالية التي يكون ظاهرها أقل بكثير من حقيقة وجودها كما هي في ذاتها. إن الأنا المتعالية ليست دائما كما نتصورها، هناك مسافة بين حقيقة وجودها وبين كيفية تصورنا لها، فهي تختفي خلف مظاهرها، إنها ليست شفافة. ولذلك يمكن تصنيفها ضمن الأشياء المادية التي توجد في العالم الخارجي. وما يميز الأنا عن موضوعات العالم الخارجي هو نظرتي إليها باعتبارها مِلكا لي، بل إنها المرجع الذي يمثل أسلوبي الخاص في الحياة وإليها ترجع كل أفعالي وتسمها بميسمها الخاص، إنها عنوان شخصيتي. تتحدد شخصيتي بكيفية نظرتي إلى أناي، إنها ليست أكثر من وهم طالما أنني لا أدرك منها سوى مظاهرها كما تفرض نفسها علي. وهكذا، فإن تصوري لهويتي لا يعدو أن يكون مجرد وهم من الأوهام.
ولما كانت الأنا متعالية بالنظر إلى تجارب الوعي والشعور فإنه لا يجوز تصنيفها ضمن تجارب الشعور، إنها تمثل الغير بالنظر إلى الوعي المحايث لتجربتي الوجودية أو الذاتية. ومن هنا يمكن القول إن الأنا ليست ذاتا فاعلة أخرى ووعيا مثل كوني ذات فاعلة واعية بما يجري فيها من وقائع شعورية. ذلك لأن التجربة الذاتية واحدة لا تقبل الانقسام، ولا ترضى أن يضاف إليها شيء آخر من الخارج. إن الأنا شيء خارجي بالنظر إلى التجربة الذاتية الحميمة، ولا تفتح له هذه التجربة أبوابها. إنها ذاتية خالصة، وعي خالص. ولما كان الغير أنا آخر فإنه سيظل بدوره بعيدا وغريبا عن تجارب الحياة الذاتية الخالصة.
إن الأخر بالنسبة لي ليس وعيا خالصا أو ذاتا فاعلة، بل هو شيء من الأشياء المتعالية التي لا أدرك منها غير مظهرها الخارجي. يدل مفهوم التعالي هنا على الاختلاف، كما يشير إلى الغموض وعدم اليقين. لا يمكنني أن أعرف عنه أكثر مما أعرف عن أناي: مظاهره الخادعة؛ وعندما أريد الإحاطة به، لا أعمل سوى على إسقاط تصوراتي عن أناي عليه. وهكذا أتصور الناس الذين يحيطون بي على أنهم ذوات فاعلة بينما هم في الواقع أشياء لا تختلف عن أشياء الطبيعة بالنظر إلى علاقتهم بي، فهذه العلاقة لا تسمح لي بالشعور بما يشعرون ، ولا أن يشعروا بما أشعر. وفي الحقيقة، فإن سارتر لا يستبعد وجود حياة ذاتية خلف وجود الأنا الآخر، ولكنه لم يجد سبيلا للاقتراب منها وملامستها بشكل مباشر في كتاباته المبكرة وعلى رأسها الكتاب المشار إليه في مقدمة هذا العرض.
ليس بوسع الذات الفاعلة بما تنطوي عليه من وعي وشعور أن تحيط بالتجارب الشعورية المفترض وجودها لدى الغير في نظر سارتر، بإمكانها أن تدرك الموضوعات بما في ذلك الأنا الآخر مثلما تعي وتدرك إنيتها بشكل من الأشكال، ولكنها لا تستطيع الإحاطة بالذوات الأخرى. فلكي تدرك الذات الفاعلة ذاتا فاعلة أخرى يتعين عليها أن تكون قادرة على تمثل ذاتها كذات أخرى، وأن تعيش تجربتها الذاتية كما لو كانت مختلفة عن ذاتها، كما لو خرجت من نفسها لتصبح غير شفافة حين تنظر إلى نفسها بعين الآخر. يمكن القول بعبارة أخرى: إن عليها أن تعيش غيريتها من الداخل، أي داخل حياة الوعي والشعور، تلك الغيرية المنبثقة من الداخل والتي تشطر تلك الحياة إلى قسمين، الغيرية التي تكون غيرية بالنسبة للوعي والشعور لا بالنسبة للموضوع المتعالي..
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens