Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
5 octobre 2007 5 05 /10 /octobre /2007 13:29
مفهوم الشخص  ومسألة الوعي بالذات في الفلسفة الكانطية
الجزء الثاني
فهل باستطاعة الحس الداخلي أن يمدنا بمعلومات (معرفة) عن خواص الروح وبنية العقل ؟
إن كل ما يمكن للحس الداخلي أن يقوم به، في نظر كانط، هو الوعي بوجود أحوال الروح، ولكنه لا يستطيع أن يخبرنا بكيفية وجودها. فما هي أدلته على ذلك ؟
الدليل الأول هو أن الحس الداخلي يجعلنا على وعي بأنفسنا كذوات مفكرة تصنع التمثلات، ولكنه لا يحدس شيئا ما من ذاته؛ فالأنا عندما تفكر، إنما تفكر في موضوع خارجي وليس في ذاتها، وعندما تفكر فيه يحصل لها الوعي بذاتها على أنها ذات مفكرة. باستطاعة المرء أن يقول مع ديكارت "أنا أفكر"، ويضيف كانط: أفكر دائما في شيء ما، وعندما أفكر فيه، أكون على وعي بأنني أفكر، ولكن الوعي بالذات ليس معناه حصول المعرفة بحقيقة الذات كما هي في ذاتها. بإمكاني أن أتعرف على وظائف الأنا المفكرة، ولكنني غير مؤهل لمعرفة بنية الأنا كما هي، أو لماذا وجدت على النحو الذي وجدت عليه. لا شيء من هذا يمكنني معرفته؛ فعندما يحصل لي الوعي بذاتي أكون كمن أشار إلى وجود شيء دون أن يحدد الخصائص البنيوية لذلك الشيء؛ فالوعي بالذات هو إشارة إلى الذات من غير تحديد، والإشارة إلى وجود شيء ما لا تعني حصول المعرفة بذلك الشيء، وإنما تعني الإقرار بوجوده فحسب باعتباره وحدة أو روحا واحدة. أما وأن أصف نفسي ببعض الصفات فإنه لبس هناك ما يجعل من الضروري أن أكون أنا الشخص الذي يحمل تلك الصفات. فأنا ذات فحسب.
والدليل الثاني هو أنه "لا يمكن للذات التي تشمل المقولات أن تشكل، من خلال تطبيق مقولاتها، مفهوما عن ذاتها باعتبارها موضوعا لتلك المقولات. لأن تعقل المقولات وتطبيقها يشترط مسبقا توفر الوعي الخالص بالذات الذي يراد تفسيره" (كانط). ومعنى ذلك أن الذات عندما تريد التعامل مع نفسها باعتبارها ذاتا تحبس نفسها في حلقة مفرغة: فعندما أحاول معرفة ذاتي أجدني مضطرا للانطلاق من ذاتي، وأوظف ما كنت أعرفه مسبقا عن نفسي لمعرفة نفسي، وعندما أريد التعامل مع نفسي كموضوع تتبخر الذات. وعندما أتعامل معها كذات تكون النتيجة هي تحصيل الحاصل، لأنني أضطر إلى استعمال تمثلاتها عن نفسها من أجل إعادة إنتاجها. ومعنى ذلك أيضا أن الوعي بالذات ليس معرفة بالذات، لأن فعل المعرفة يكمن في القدرة على الإحاطة بالتعدد والتنوع وعلى التأليف بين أبعادهما وفقا لمفاهيم ومقولات الفهم. وأما الوعي فإنه لا يحيط إلا بتلك الوحدة المتعالية المتجلية من خلال عبارة "أنا أفكر"، أنا ذات مفكرة، وأنا على وعي بأنني أفكر في مختلف ظواهر العالم الخارجي، وفي أحوال النفس.
يمكن للشخص ، إذن، أن يعي نفسه كذات، ولكنه لا يستطيع معرفتها مثلما يعرف ظواهر الوجود؛ باستطاعته أن يشكل فكرة عن ماهية وجوده وأفكارا أخرى عن وجود الله ووجود العالم، وهي في نظر كانط أفكار خالصة كالأفكار الأفلاطونية، إنها أفكار العقل الخالص التي تختلف عن مفاهيم ملكة الفهم ومقولاتها من حيث أنه لا يوجد لها مقابل في العالم المحسوس. وإذا كانت مقولات الفهم لا تنطبق إلا على ظواهر العالم الخارجي، وإذا كانت معرفة النومينات (الروح، الله، العالم) مستحيلة، فإنه بإمكان العقل الخلص أن يشكل فكرة عنها، وهذه الفكرة إنما تشير إلى الوعي بوجودها الضروري، ولكنها لا تخبرنا عن حيثيات وجودها، إنها إقرار بالوجود وليست معرفة بالوجود، لأن المعرفة لا تتبلور إلا في حدود التجارب الممكنة. إن لقدرتنا المعرفية حدودا لا تتجاوزها، وهي حدود الزمان والمكان. وأما عالم النومينات فيمكن تشكيل فكرة عنه تبرر الإيمان وتجعل منه شيئا معقولا،  وهو عبر عنه كانط بقوله: "لقد بدا لي أنه من الضروري أن أضع للمعرفة حدودا...من أجل أن أفسح مجالا للإيمان". فإذا كان من غير الممكن معرفة الله، فإنه لا شيء يحول دون التفكير فيه ليكون للوجود وللحياة معنى. ينطبق هذا الحكم أيضا على القضايا المتعلقة بالنفس وحرية الإرادة والاختيار.
وعلى الرغم من أن أفكار ومبادئ العقل الخالص تتبدى في شكل أوهام عندما نقارنها بمفاهيم ومقولات الفهم فإن هذه الأوهام تكون مفيدة عندما ينظر إليها على أنها آليات الضبط التي تكمن وظيفتها في توجيه نشاط الإنسان في سعيه نحو اكتساب المعرفة وفي المجال العملي. وليس باعتبارها وسائل إبستيمية للنفاذ إلى جوهر الأشياء؛ فهي وإن كانت تمثل التركيبات الشمولية النهائية والمتعالية التي تختزل معارفنا وتضفي عليها نوعا من الانسجام والتناسق، فإنها لا تمكننا من معرفة حقيقة الأشياء في ذاتها. إن أفكار العقل الخالص (الروح، الله، العالم) هي مجرد أفكار غير ذات موضوع في العالم الخارجي، إن موضوعاتها متعالية: لا توجد إلا في العقل الخالص باعتبارها التركيبة النهائية التي تلم شتات معارفنا، وتوجه نشاطنا الفكري لاكتساب مزيد من المعرفة، وتؤدي، بالإضافة إلى ذلك، وظيفة التوجيه الأكسيولوجي لسلوك الإنسان.
الأنا المفكرة عند كانط
عندما يقول ديكارت "أنا أفكر"، فإن الأنا أو الذات التي يشير إليها ضمير المتكلم هي في نظره جوهر قائم بذاته خاصيته التفكير. وعندما يقول كانط "أنا أفكر"، فإن الأنا عنده هي مجرد مفهوم أو مقولة من مقولات العقل الخالص، وهو ما يدل عليه مفهوم "الأنا المتعالي" الذي يمثل الشرط الضروري لقيام المعرفة. ولما كانت الأنا هي الشرط الضروري لقيام أية معرفة، فإنه لا يمكن أن تكون هي نفسها موضوعا للمعرفة. فهل معنى ذلك أن الأنا المتعالية نومين يقع خارج حدود العقل ؟
يرى كانط، على خلاف ديكارت، أن الـ"أنا أفكر" ليست جوهرا أو موضوعا من الموضوعات، إنها الصورة الشمولية للعقل وهو يؤدي وظيفته المعرفية؛ وهي إن دلت على شيء، فإنما تدل على تماهي العقل مع ذاته ووعيه بما يفعل. ليس للأنا، حسب كانط، مضمون أمبريقي: إنها متعالية خاصة، يدركها الحس الداخلي ويحصل الوعي بها. يقول كانط:
"إن هذا الإدراك الداخلي ليس شيئا آخر غير الوعي بالذات aperception: فالأنا أفكر هي التي تجعل جميع المفاهيم المتعالية ممكنة، حيث يقال: أنا أفكر في جوهر أو علة كذا الخ.. لأن التجربة الداخلية بصفة عامة وإمكانية تحققها، (..) لا يمكن اعتبارها معارف أمبريقية، أو بالأحرى، لا يمكن أن نرى فيها غير المعارف المتعلقة بالعالم الأمبريقي بصفة عامة [بمعنى ليس لها مضمون أمبريقي محدد]"
فعندما تقول أنا تكون قد عبرت عن تمثل أو تصور خال من أي مضمون ولا يرقى إلى مستوى المفهوم، وهو ما عبر عنه كانط بقوله: "لا يمكن القول عنه [عن تمثل الأنا] بأنه مفهوم، إنه ليس أكثر من الوعي الذي يرافق المفاهيم"؛ ومع ذلك يُنظَر إليها على أنها شيء من الأشياء أو موضوع من الموضوعات. والحقيقة أن هذا الشيء الذي يحضر في المخيلة عندما نسمع عبارة "أنا أفكر" ليس شيئا؛ إن ما نستحضره في أذهاننا عندما نسمع تلك العبارة هو الذات المتعالية التي ليس لدينا عنها أي مفهوم. فأنا على وعي بأنني ذات مفكرة، ولكنني لا أملك أنية معرفة عن ذاتي؛ فعندما أقول "أنا أفكر" فإن هذه الأنا لا تعكس شيئا آخر غير وحدة الوعي خلال عملية التفكير، وعندما أفكر في ذاتي، فإنه لا يلزم عن ذلك أنني جوهر وأن باستطاعتي أن أجعل من ذاتي موضوعا وأن أتعامل معها بطريقة موضوعية مثلما أتعامل مع الموضوعات الخارجية.
ولما كنت غير مؤهل لتشكيل مفهوم عن الأنا أو الذات المتعالية، فإنه لا شيء يمنعني من تمثلها في مخيلتي، ولكن التمثل لا يؤهلني لإصدار أي حكم بشأنها، وذلك على الرغم من أن تمثلها هو الذي يوجهني عندما أريد إصدار أي حكم من الأحكام. يدل التمثل في هذه الحالة على الوعي بالذات، ولكن الوعي لا يعني المعرفة. فإذا كنت على وعي بذاتي فليس معنى ذلك أنني أعرف ذاتي. وأما عبارة "أنا أفكر" فليست أكثر من مؤشر على ثبوت الوعي بالذات المفكرة، وبالتالي، فإنه لا يمكن استخلاص أية فكرة عن الذات تدل على حقيقة وجودها كجوهر أو موضوع قائم بذاته، ولا يجوز إصدار أي حكم تركيبي عن الذات المتعالية مثلما فعل ديكارت الذي ذهب إلى القول بأن الذات المفكرة جوهر خاصيته التفكير، لأن مفهوم الجوهر يحيل إلى الحدوس الحسية في نظر كانط. ويرتكز النقد الكانطي لميتافيزيقا الأنا بالإضافة إلى ذلك على الأدلة التالية:
§        "لا يمكنني معرفة موضوع يتعين علي التسليم به مسبقا من أجل معرفة أي موضوع آخر"
§        "تُعرف الذات المتعالية فقط (...) من خلال الأفكار التي تمثل صفاتها، ولا يمكن تشكيل أي مفهوم عنها إلا انطلاقا من تلك الصفات، ومن ثمة نضطر إلى الدوران في حلقة مفرغة، لأن كل حكم بشأنها يستعمل دائما تمثلاتها عن نفسها"
والنتيجة هي أنه من المستحيل معرفة حقيقة الذات كما هي. ذلك لأن المعرفة هي مجموعة من الأحكام، ويعني الحكم إسناد صفة ما إلى الموضوع أو إضفاء خاصية من الخصائص عليه كقولنا "الأرض قاحلة" أو "المطر غزير"؛ فالصفة تلحق بشيء سابق عليها في الوجود من الناحية المنطقية على الأقل، ويمثل الموجود السابق الكائن الذي تسند إليه الصفة؛ أما فيما يتعلق بالذات المتعالية فليس فيها شيء سابق على صفاتها (صفة التفكير)، كل ما هناك هي الوظيفة المنطقية التي تتولى إلحاق الصفات بالموضوعات، وبالتالي، فإنه لا يمكن معرفة الذات المتعالية، لأن معرفتها تستلزم أحد أمرين: إما أن تتحول إلى موضوع، وإما أن تحافظ على بقائها لتظل مجرد فكرة.
ولدحض أطروحة ديكارت التي تقول بأن الذات المفكرة جوهر بسيط تصدى كانط إلى أسلوبه في البرهنة في محاولة لتفكيكه وتقويض أسسه المنطقية. ومن مآخذه الأساسية على ديكارت أنه حاول التعرف على طبيعة ومكونات الروح من خلال تحليل نشاط الفكر (الأنا أفكر) واستنباطها منه على النحو التالي: "أنا أفكر"، إذن، أنا "شيء" يفكر. إن هذه القضية، بالنسبة إلى ديكارت، واضحة ولا تطرح أي إشكال، لأن التفكير في نظره صفة، ولابد أن يكون هناك جوهر ما تُسند إليه. تستند هذه الأطروحة على أسلوب في البرهنة غير سليم، وهو البرهان المغالطي الذي عرفه كانط بأنه نوع من "القياس الذي يضطر فيه المرء، استنادا إلى أرضية متعالية، إلى استخلاص نتائج غير سليمة على المستوى الشكلي". ومن ثمة حاول بيان تناقضات ومغالطات هذا النوع من البرهان.
يرى كانط بأن المغالطة الأولى التي ينطوي عليها استدلال ديكارت على جوهرية الروح تكمن في كونه يستعمل نفس الكلمة بمعاني مختلفة عندما ينتقل من القضية الكبرى إلى النتيجة في القياس. فعندما يقول "أنا أفكر"، فإن الأنا هنا هي الأنا المتعالية أو الروح؛ وعندما يقول "أنا موجود" كجوهر، فإن مفهوم الأنا في هذه العبارة يدل على الأنا الأمبريقي أو المشخص. وهكذا، فبينما تشير العبارة الأولى إلى الروح المتعالية وتعبر عن المعنى العام لمفهوم الجوهر، تحيل العبارة الثانية إلى موضوع محدد. ويتمثل التناقض في كون ديكارت استعمل المفهوم العام للجوهر ليحدد الخصائص المميزة لجوهر أو موضوع أمبريقي، مع أن هذا الموضوع ليس له وجود أمبريقي أصلا. إن ما فعله ديكارت هو انه استنبط وجود الذات كجوهر أو كموضوع من الخصائص الشكلية للأنا المتعالية (الروح) باعتبارها الوحدة التي ترجع إليها جميع تمثلاتنا أو التركيبة النهائية لتجاربنا الذهنية والشعورية. وفي المقابل يرى كانط أن فكرة الروح لا تنطوي في ذاتها على ما يستلزم وجود موضوع تتجسد فيه كجوهر محدد. وخلاصة القول أن استدلال ديكارت يقوم، في نظر كانط، على اللعب على معاني الألفاظ والعبارات.  
 وبهذه الأدلة وغيرها، يكون كانط قد وجه الضربة القاضية لميتافيزيقا الأنا الديكارتية، بحيث يمكن القول: إن الأنا المتعالية أو الـ"أنا أفكر" هي ذاتية بلا ذات، إنها بعبارة أخرى ليست أكثر من وظيفة منطقية أو إبستمولوجية. ومع ذلك اعترف كانط بفكرة الروح لاعتبارات أخلاقية، إلى جانب فكرة الله وفكرة العالم. ولقد أدى النقد الكانطي لميتافيزيقا الأنا رغم كل شيء إلى الاعتراف بأهمية الأفكار المتعالية في مجالات المعرفة والأخلاق.
إن فكرة الله، وفكرة العالم، وفكرة الروح المرتبطة بالذات المفكرة هي أفكار قبلية مفيدة، تفرض علينا وجودها باعتبارها جزءا من العقل الخالص. ففكرة الروح، مثلا، هي من الأفكار التي نهتدي إليها بالضرورة لآن العقل يدفعنا إلى البحث عن "الكلية" أو الوحدة غير المشروطة "لتركيبة شروط الفكر بصفة عامة" أو "الوحدة المطلقة [غير المشروطة] للذات المفكرة نفسها"، حسب تعبير كانط. إن هذه الوحدة غير المشروطة الخالية من التعدد والتنوع هي أساس وجود الشخص المستقل والمكتفي بذاته لأنها الأصل الذي ترجع إليه جميع أنشطته الفكرية وهي مصدر تمثلاته. وإذا كان الإنسان يهتدي بشكل تلقائي وطبيعي إلى فكرة الروح، فإن هذه الفكرة لا تدل بالضرورة على وجود موضوع أو جوه
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens