Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
11 septembre 2007 2 11 /09 /septembre /2007 12:31

 

مفهوم الشخص في الفلسفة المعاصرة

  وقضية العلاقة بين الفرد والمجتمع

 

  (تابع)

أحمد أغبال

   وإنما أراد أن يقول: إن حامل العقل ومشغله في المجتمع هو الفرد قبل كل شيء. وهكذا فإذا كان هيجل قد دق ناقوس الخطر منذرا بدخول الفرد مرحلة الانحطاط، فإن الفلاسفة والأدباء والفنانين الكبار الذين اشتهروا في القرن العشرين عبروا كل بطريقته الخاصة عن مخاوفهم تجاه مصير الفرد، لقد تتبعوا عن كثب عملية إدماج الفرد في البنيات وميله إلى الذوبان فيها، وبدا كما لو كان دمية من فصيلة الكراكيز، تحركه إرادة تنتمي إلى دوائر بعيدة مجهولة. يقول أدورنو بهذا الصدد: "إن الفكرة القائلة بأن الفرد سائر نحو الاندحار لا زالت فكرة جد متفائلة"، تقربنا رواية فرانز كافكا التي تحمل عنوان "المسخ"، من واقع الفرد المندحر الذي يمثله بطل الرواية السلبي. يقول هذا الروائي العظيم متحدثا عن صامصا
«Un matin au sortir d'un rêve agité, Grégoire Samsa s'éveilla transformé dans son lit en une véritable vermine»

وجعل رواد مدرسة فرانكفورت من هذه القضية محور اهتماماتهم، وعليها أسسوا نظريتهم النقدية. يرى ماركوز ، وهو واحد من كبار ممثلي هذه المدرسة، أن الفرد لم يعد يمثل نقطة انطلاق الفلسفة، بل أصبح يمثل غايتها، لذلك وجب علينا بذل قصارى الجهد من أجل أن نجعل من وجود الفرد شيئا ممكنا"، يجب أن يكون الفرد ذاتا عارفة وذاتا فاعلة على حد سواء، يجب أن يكون هو العنصر النشيط الأول في مجالات الفكر والممارسة، ولا ينبغي إخضاع إرادته لأية قوة خارجية ولا لأية إرادة جماعية، وسواء أكانت إرادة حزب من الأحزاب أو مؤسسة من المؤسسات؛ ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم لماذا كان فلاسفة مدرسة فرانكفورت يحرصون حرصا شديدا على استقلالهم تجاه الحركات والأحزاب الماركسية في فترة انتعاشها.
إن الفرد الذي تحدث عنه ماركوز وزملاؤه هو الفرد العياني التاريخي الذي يأكل وينام ويفرح ويتألم... وليس الفرد المجرد الذي تصنعه ملكة الخيال. بل الفرد المشخص الذي يعطي للفلسفة أبعادها الوجودية ويضفي عليها معاني ودلالات حية، وهو ما عبر عنه ماركوز بقوله :
“Le sens de la philosophie ne reste pas circonscrit dans "l'individuel" mais chaque individu peut seul l'accomplir
et il s'enracine dans l'existence de chaque individu »

في هذه النقطة بالذات يلتقي ماركوز مع التيارات الفلسفية التي يمثلها كل من هيدجر وسارتر. ولعل فكرة اندحار الفرد التي يشهد عليها واقع الشركات الاقتصادية الضخمة والعابرة للقارات هي الأساس الذي قامت عليه نظرية الديالكتيك السلبي عند أدرنوAdorno ؛ ترتكز هذه النظرية على فرضية مفادها أن الحاضر لم يعد يحتوي على بذور المستقبل. لقد كان التقدم على عهد هيجل وماركس أمرا ممكنا، ولذلك كان ديالكتيكهما إيجابيا، وغدا في الوقت الراهن أمرا عسيرا، إن لم يكن مستحيلا. ويرجع السبب في ذلك إلى غياب الفرد الإيجابي الفعال، وإلى تراجع الفكر المستقل، وتفكك الأنا الأخلاقي، وضياع الذات، وإلغاء الخصوصية الفردية وذوبانها في الجمهور. يقول أدورنو
«Le moi doit se rayer soi-même pour participer à la grâce de la collectivité...le sentiment d'une nouvelle sécurité est payé par le sacrifice de la pensée autonome »
نجد مثل هذا التصور لدى هرمان هس الذي دعا إلى ضرورة الحفاظ على عناد الفرد واستقلاله الشخصي وإرادته وحريته حتى يكون قادرا على مواجهة ما سماه "غريزة الحشد". ولقد عبر فرانز كافكا، من جهته، عن هذا الواقع ذي الأفق المسدود يقوله:
« Les événements historiques ne doivent plus être mis sur le compte des individus, mais des masses. Nous sommes poussés, basculés, balayés, nous subissons l'histoire »
وبعيدا عن مدرسة فرانكفورت نجد آراء وأفكار مماثلة لدى العديد من الفلاسفة بما فيهم ذوي النزعة الماركسية الذين حافظوا على استقلالهم الشخصي والذين يحتل جورج لوكاتش مكانة مرموقة بينهم؛ نقرأ في كتابه "الروح والأشكال" ما يلي:
« Seul le singulier, le singulier poussé jusqu'aux limites extrêmes est adéquat à son idée, est réellement »
إن الوجود الحقيقي هو وجود الفرد المتفرد بخصوصيته، كيف لا والواقع من حوله أضحى زائفا ومزيفا ! كيف لا والعلاقات الإنسانية قد تشيأت ! كيف لا وقد أصبحت عملية التشيؤ هي التي تحدد جوهر المجتمع ! حتى أصبح كل ما يحيط بنا تقريبا مصطنعا ومزيفا؛ وكذلك الحال بالنسبة للوعي السائد فيه، لقد أصبح يميل بدوره إلى أن يكون وعيا مزيفا أو مغلوطا. يختلف هذا الواقع اختلافا جوهريا عن الواقع الذي تشير إليه الفقرة المقتبسة من كتاب " نظرية الرواية" والتي أوردناها في مستهل هذا العرض؛ يكفي أن نقرأ هذه الفقرة قراءة معكوسة لنفهم نظرية التشيؤ المبسوطة في كتاب "التاريخ والوعي الطبقي" لجورج لوكاتش: ليس باستطاعة الإنسان المعاصر أن يرى في السماء ذات النجم خريطة المسالك المفتوحة أمامه... وليست له الجرأة على السير فيها قدما، لأن النجوم لم تعد تضيئها، والمسالك غشاها الظلام، يقول الشاعر أحمد فؤاد نجم معبرا عن الفكرة ذاتها "وضاع الطريق في الخطوط والدوائر
ومات البصر في العيون والبصاير"
ولذلك أصبحت الأنا غريبة في عالمها، واشتد التعارض بينها وبينه: هناك من جهة الأنا التي تمثل، في نظر جورج لوكاتش، الوجود الحقيقي، وهناك، من جهة أخرى، العالم المتشيئ، المزيف. وأما الأنا الحقيقية فهي الكائن الجوهري الذي حصل له الوعي بذاته، فحول نفسه إلى ذات عارفة والعالم إلى موضوع للمعرفة. فهل بوسعك أنت أن تحول نفسك إلى ذات عارفة وتقيم بينها وبين عالمك تلك المسافة الضرورية التي تجعل منه موضوعا للمعرفة وللممارسة المستنيرة بنور العقل؟ وهل بمقدورك أن تتخطى عتبة اليومي ولو قليلا لتكتسب شيئا من مواصفات ما سماه هيجل بالإنسان الكوني المحدد تاريخيا ؟


 

 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens