Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
16 septembre 2006 6 16 /09 /septembre /2006 15:34
مبادئ الفلسفة البرجماتية
أحمد أغبال
يرى أصحاب الاتجاه البرجماتي، الذي ترجع أصوله إلى وليام جيمس، أن تعريف الحقيقة بأنها "التطابق مع الواقع" هو تعريف لا يحسب حسابا لطابع الفكر الجوهري، إذ يجعل من الفكر مجرد "نسخة" من الواقع ومن "الحقيقة" مجرد علاقة ساكنة جامدة، بينما الفكر في جوهره مرتبط بالفعل، بالعمل... فالعَالِم الذي يحقق فرضا، إنما يبين بالتجارب العملية في المختبر، صحة هذا الفرض. ولهذا ينبغي أن نعرِّف الحقيقة بواسطة نتائجها العملية؛ فالحق هو ما ينجح، وهو المفيد وهو النافع. والأمر واضح أيضا بالنسبة إلى الاعتقاد الأخلاقي، فما هو حق هو ما يحقق في النهاية أكبر قدر من الخير عمليا. ويتوسع جيمس في فهم ما هو مفيد أو ناجح أو نافع:
1.    ففي ميدان التجربة الفيزيائية، المفيد هو ما يمكِّن من التنبؤ ومن العمل ومن التأثير والإنتاج؛
2.    وفي ميدان التجربة النفسانية أو العقلية، النافع هو ما هو مفيد للفكر، وما يزودنا بالشعور بالمعقولية، وهو شعور بالراحة والسلام؛
3.    وفي ميدان التجربة الدينية، يكون الاعتقاد حقا إذا نجح روحيا، أعني إذا حقق للنفس الطمأنينة والسلوى، وأعاننا على تحمل تجارب الحياة، وسما بنا فوق أنفسنا.
يقول وليام جيمس: "التطابق، بالمعنى الواسع للكلمة، مع الواقع لا يمكن أن يكون غير واحد من اثنين: إما الوصول مباشرة إلى الواقع أو الاقتراب منه، أو هو الاتصال المباشر بالواقع ابتغاء مزيد من التأثير فيه؛ وأضيف أن المقصود هو الفعل في الميدان العقلي والميدان العملي على السواء. وغالبا ما يكون هذا الاتفاق هو مجرد هذه الواقعة السلبية ألا وهي ألا يصدر من هذا الواقع شيء يناقض أفكارنا ويعترض طريقنا الذي يفضي بنا إلى نقطة أخرى".
ليس المهم، بالنسبة للفيلسوف البرغماتي، هو أن ينتج نسخة عن الواقع، وإن كان ذلك هو أحد الطرق المهمة جدا للاتفاق والتطابق معه ؛ بل المهم هو أن يجد في الفكرة دليلا للتحرك في الواقع. إذ الفكرة إذا أعانتنا على أن نكون – عقليا أو عمليا- على علاقة إما بالواقع وبأسباب الواقع، وإذا ساعدتنا على التكيف مع الواقع بدلا من أن تعيق مسيرتنا بكل ألوان المضايقات، هنالك سيكون انطباق واتفاق، تتوافر فيه بدرجة كافية الشروط التي تقتضيها الحقيقة، وستكون هذه الفكرة صحيحة (حقيقة) تجاه الواقع الذي يتجه إليه انتباهنا..
إن هذا التصور للحقيقة في علاقتها بالواقع هو الذي صرف البرغماتيين عن البحث عن الحقيقة الكونية، فهم لا يعنون بالحقيقة (في صيغة المفرد) بل بالحقائق، في صيغة الجمع؛ إنهم يفضلون الأفكار الموجهة للسلوك والتي تتحقق وسط الأشياء نفسها، تلك الأفكار التي لا تجمع بينها أية صفة مشتركة غير القدرة على تحقيق المنفعة. وبالجملة فإن كلمة "حقيقة" ليست بالنسبة للفيلسوف البرغماتي غير اسم يلخص العمليات المفيدة للإنسان.
وأما الحقيقة "المطلقة" المتعالية عن أية منفعة فهي تمثل في نظر الفيلسوف البرغماتي تلك النقطة المثالية التي لا يمكن الوصول إليها بأية حال من الأحوال. إن الحقيقة المطلقة، من وجهة نظر برغماتية، هي مثل أعلى بعيد المنال. وبما أنه ليس بوسع الإنسان الذي يعيش تحت ضغط الزمان المتسارع أن يحقق مثله العليا  في هذا العالم، فإن عليه أن يعيش اللحظة الراهنة على ما يستطيع امتلاكه من الحقيقة، مع ضرورة الاعتراف بأن ما يعتبر حقيقة اليوم قد يصبح خطأ في المستقبل.
يرى وليام جيمس أن الحقيقة الموضوعية والحقيقة المثالية لا وجود لهما ولا يمكن بالتالي العثور عليهما في هذا العالم. وتأمَّل أقدم الحقائق، يقول جيمس، فستجد أنها كانت تسمى حقائق لاعتبارات إنسانية فقط: لكونها كانت تستجيب لحاجات الإنسان وتشبع رغباته. علق الفيلسوف المصري عبد الرحمان بدوي عن هذه الفكرة بقوله  "والسبب في أننا نسمي الأشياء حقيقة هو السبب في أنها حقيقة أي لأننا اعتبرناها كذلك بحسب تحقيقها لما نريده من أفعال. صحيح أن أصحاب المذهب العقلي يقررون أن الحق مستقل عن حاجاتنا ورغباتنا، وأننا نعثر على الحق، ولسنا نحن الذين نخلقه. لكن هذا الحق – بهذا يجيبهم وليم جيمس – إذا فحصنا عنه وجدناه ليس إلا "القلب الميت للشجرة الحية". وبالجملة فإن "الحق نوع من الخير، وليس كما يُزعم عادة، نوعا متميزا من الخير ومتسقا معه. إن الحق هو اسم لكل ما يتحقق، إنه خير في شؤون الاعتقاد، وما هو خير أيضا لأسباب محددة"والأفكار الحقة هي الأفكار المفيدة في الحياة. ولو كانت الأفكار الزائفة (الخاطئة) هي المفيدة، لكان علينا أن نتجنب الحق وألا نسعى في طلبه. والحقيقة هي عملية، بمعنى أن الأفكار تصير حقيقة بتحقيقها لوظيفة مطلوبة في التجربة الإنسانية. وما هو حق يمكن أن يتغير؛ بل هو يتغير فعلا كلما تغيرت حاجاتنا وما يشبع رغباتنا. وليس لنا أبدا أن نقيس الحق بأي مقياس آخر غير مقياس المنفعة في الحياة العملية.
راجع:عبد الرحمان بدوي (1978). مدخل جديد إلى الفلسفة. وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الثانية.
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens