Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
7 février 2008 4 07 /02 /février /2008 18:40
النظرية العلمية
أحمد أغبال
1. تعريف النظرية
يدل مفهوم النظرية في الاستعمال الشائع على الآراء والتخمينات والتأملات التي لا تستند في بنائها على الوقائع؛ ولذلك فإنها غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن الوصف الدقيق لما يجري في الواقع. ومما يترتب عن هذا الفهم الخاطئ أن بدأ الناس ينظرون إلى النظرية في كثير من الأحيان بنظرة ازدراء واحتقار، فنسمعهم يقولون مثلا: "هذه مجرد نظرية، وليست واقعا".
وإذا كانت النظرية في الاستعمال اليومي تدل على التأملات الغير واقعية أو البعيدة عن الواقع، فإنها تدل في مجال العلم على نموذج أو نسق من الأفكار الذي يحكمه منطق صارم، ويستعمل لوصف مجموعة من الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية وتفسيرها وتوقع تطوراتها. وتتشكل النظرية العلمية بواسطة منهج علمي رصين، وتفرض نفسها باعتبارها بناء فكريا مفاهيميا يدعمه المعطى التجريبي. إن النظرية بهذا المعنى هي الصياغة الشكلية المنطقية لنتائج الملاحظات التي تم تسجيلها في السابق والتي يمكن التحقق منها عن طريق التجريب، ومن ثمة استعمالها لتفسير الظواهر واستباق تطوراتها المستقبلية. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن النظرية العلمية، على خلاف ما يعتقد عامة الناس، لا تتعارض مع الواقع؛ وعلى سبيل المثال فإن سقوط التفاحة من شجرتها على الأرض، واقعة تؤيد نظرية التجاذب الكوني التي بلورها إسحاق نيوتن.
ومع ذلك تظل النظرية العلمية في جميع الأحوال مجرد نموذج افتراضي يخضع باستمرار للتقويم والتصحيح. وكذلك يمكن دمج هذا النموذج في إطار نظرية أكثر شمولا. فقد جرت العادة أن يتم الربط منطقيا بين عدد كبير من الفرضيات أو النماذج الخاصة في إطار نظرية واحدة أو نظريتين. ولهذا السبب تكون النظرية الكبرى أكثر قدرة على التعامل مع الكليات بالمقارنة مع الفرضيات أو النماذج الخاصة وتكون قدرتها على التفسير أكبر لأنها تنظر إلى الظواهر في سياق أوسع وأشمل، بينما تتعامل النماذج والفرضيات مع مجموعة من الظواهر الخاصة.
ولعل ما يجعل عامة الناس ينظرون إلى النظرية بنوع من الازدراء هو أنهم لا يجدون فيها ما يحقق لهم المنفعة التي يرغبون فيها بشكل مباشر؛ ذلك لأن بناء النظرية لا يستهدف في الأصل تحقيق أية مصلحة خاصة، ولذلك تكون الحقيقة التي تعبر عنها مجردة ونسبية، ولا تعتبر صحيحة إلا في إطار نسق نظري معين، ومعنى ذلك أنه لا توجد حقائق متعالية على النظريات أو خارج النظريات. ولكن نسبية الحقيقة وتعاليها عن المصلحة الخاصة لا يعني أنها غير قابلة للتطبيق في مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، بل كثيرا ما تستعمل لأغراض أيديولوجية. وتتحدد قيمة كل النظرية بمدى اقترابها من الحقيقةن ومن هنا تطرح المسألة المتعلقة بمعايير صلاحية النظرية وكيفية بنائها.
2. معايير صلاحية النظرية
يرى بعض الباحثين في مجال الإبستملوجيا أن النظرية الجيدة هي تلك التي تستوفي شرطين أساسيين وهما:
§        أن تكون قادرة على وصف مجموعة من الوقائع في ضوء نموذج يرتكز على عدد قليل من المصادرات (الأكسيومات) أو العناصر العشوائية، وهي القضايا التي يتم التسليم بها من غير إقامة الدليل على صحتها؛ وإنما يتم قبولها لاستحالة الحكم عليها لا بأنها صحيحة ولا بأنها خاطئة. إن المصادرة بهذا المعنى هي القضبة التي لا سبيل إلى البرهنة عليها، وأما القضية التي قام عليها الدليل فإنها لا تعتبر مصادرة على الإطلاق. وتتحدد قيمة المصادرة بمدى أهمية النتائج المستنبطة منها من حيث مطابقتها أو انسجامها مع الوقائع. وبسبب طبيعتها العشوائية تعتبر المصادرات الحلقة الضعيفة في بنية النظرية، ولذلك يميل العلماء إلى الانطلاق من أقل عدد ممكن للتقليل من احتمال الخطأ؛ ومن أمثلة ذلك نظرية النسبية الخاصة التي شيدها ألبرت إنشطاين انطلاقا من مصادرتين: أولهما مصادرة غاليليو التي تقول بتزايد سرعة الأجسام عند انطلاقها، والثانية ثبات سرعة الضوء التي تمثل السرعة المطلقة. وافترض أن هاتين الملاحظتين معا صحيحتان رغم تعارضهما الظاهر. وما فعل بعد ذلك هو أنه قام بتعديل مصادرة غاليليو لتتلاءم مع فكرة عدم تزايد السرعة بالنظر إلى سرعة الضوء، وصاع نظريته الجديدة على هذا الأساس. وهكذا، فعندما تخضع المصادرات لأي تعديل يؤدي ذلك إلى حدوث تغير جوهري في البناء النظري كله. 
§        وأن تكون قادرة على التكهن بنتائج الملاحظات المستقبلية؛ ويذهب فلاسفة العلم إلى حد القول: إن النظرية الفيزيائية لابد أن تكون تنبؤية رغم كونها افتراضية يتعذر الجزم بثبوتها ثبوتا تاما. وهكذا، فإنه مهما كانت النتائج التجريبية تؤكد توقعات النظرية فإنه لا يمكن استبعاد إمكانية الحصول في المستقبل على نتائج تجريبية تتعارض مع ما تقول النظرية؛ ومعنى ذلك أيضا أنه يمكن تكذيب النظرية من خلال العثور ولو على ملاحظة واحدة من الملاحظات التجريبية التي لا تؤيد التوقعات النظرية. وقد يؤدي هذا الاكتشاف إلى إحداث تغيير جذري في النظرية أو استبدالها بنظرية أخرى أو منظور إرشادي آخر paradigme حسب تعبير طوماس كوهن Thomas kuhn.
ولما كانت النظرية العلمية تقوم على مصادرات غير قابلة للبرهنة أصبح من الممكن تعديلها وتطويرها وتجاوزها باستمرار. ولعل ذلك هو ما حدا بكارل بوبر Karl Popper إلى أن يجعل من مبدإ التفنيد أو القابلية للتكذيب معيار علمية النظرية، في مقابل "مبدإ التحقق" الذي جعل منه أصحاب الوضعية المنطقية مبدأهم المفضل. يقضي هذا المبدأ بأن قيمة النظرية العلمية لا تتحدد في المقام الأول بقوة الدليل التجريبي على صحتها ويقينها، ولا تؤخذ النظرية مأخذ الجد في نظر بوبر ما لم تكن مرنة منفتحة على كل الاحتمالات وقابلة للتعديل، ولا يشترط فيها بالتالي أن تكون تامة محكمة البنيان ودقيقة إلى أبعد الحدود في تنبؤاتها. والدليل على ذلك هو أن نظرية الفيزياء الميكانيكية التي وضعها نيوتن لم تكن دقيقة في تنبؤاتها، ولكنها كانت على قدر كاف من الواقعية والمعقولية لمقاربة العديد من الظواهر وتفسيرها بطريقة أبسط وأسهل بالمقارنة مع النظريات التي تبدو أكثر دقة ولكن تطبيقها يكون أصعب لما يتطلبه من إجراءات رياضية بالغة التعقيد. وأما فيما يتعلق بمبدإ التحقق فإنه من السهل في نظر بوبر أن تجد أية نظرية من الدلائل الأمبريقية ما يدعمها، ولكن هذا الدعم ليس هو المعيار الأساسي لعلميتها؛ ذلك أنه لو انشغل الباحثون بالبحث عما يفندها لعثروا عليه عاجلا أو آجلا؛ ومن هنا حصر خصائص النظرية العلمية فيما يلي:
§        إن التحقق لا تكون له قيمة علمية ‘لا إذا جاء نتيجة للمغامرة في البحث عن النتائج غير المتوقعة أو الوقائع التي لا تنسجم مع توقعات النظرية والتي تفندها؛
§        إن النظرية العلمية الجديرة بهذا الاسم هي في المقام الأول تلك النظرية التي تقول بعدم إمكانية حدوث بعض الوقائع، لا النظرية التي تنبؤ بحدوث بعض الوقائع؛
§        إن النظرية التي لا تكذبها أية واقعة من الوقائع ليست نظرية علمية، ومعنى ذلك أن اليقين المطلق ليس فضيلة علمية؛
§        إن الاختبار الحقيقي للنظرية هو ذلك الذي يسعى إلى تفنيدها. إن التحقق العلمي هنا لا يعني شيئا آخر غير التفنيد أو التكذيب؛
§        إن تكذيب النظرية العلمية لا يمنع استمرارها بشكل نهائي شريطة أن تخضع لبعض التعديلات، ولكنه يقلل من قيمتها العلمية.
وخلاصة القول إن معيار صدق النظرية، من وجهة نظر كارل بوبر، هو قابليتها للتفنيد أو الاختبار الذي يهدف إلى تكذيبها. وهذا مثال يوضح هذه الفكرة: لنفترض أن احدهم وضع نظرية تقول: "إن كل الحيوانات تحرك فكها الأسفل عندما تأكل"، ثم إنه أراد أن يثبت نظريته من خلال ملاحظة سلوك الأكل لدى الحيوانات. لاشك في أنه سيجد عددا لا يحصى من الحالات التي تدعم نظريته، وتجعله يطمئن إليها. ولو أنه طبق منهجية بوبر وراح يبحث عن الوقائع التي من شأنها أن تكذب نظريته، أي عن الحيوانات التي تحرك الفك الأعلى لكان ذلك أفيد للبحث العلمي، ولسوف بحرره من الوهم الذي كان عليه عندما يجد أن التمساح يحرك فكه الأعلى. وإنما يدل مبدأ بوبر على الروح العلمية المنفتحة وعلى نسبية الحقيقة العلمية وقابليتها للتجاوز والتطور.
  ومع ذلك تعرضت نظرية بوبر للنقد، ومن أكبر خصومها فليب كريشر Philip Kircherالذيواجهها بقوله إنه لو كانت نظريته صحيحة لكان اكتشاف الكوكب أوانوس عام 1781 قد أدى إلى تقويض نظرية الميكانيكا الكونية لنيوتن، على اعتبار أن مدار هذا الكوكب لا ينسجم مع توقعات النظرية. وثبت فيما بعد أن كوكبا آخر يؤثر فيه. يتفق كريشر مع بوبر في أن العلم لا يتقدم إلا من خلال تعثراته وكبواته، ولكنه يميل مع ذلك إلى الرأي القائل بأن النظريات العلمية لا تخلو من القضايا أو المصادرات العشوائية التي لا يمكن تفنيدها، وهذا لا يقلل من قيمتها العلمية، بل يجعلها خصبة وخلاقة. ومن هذا المنطلق حاول أن يحدد مواصفات النظرية العلمية الجيدة، وتتلخص في الوحدة والخصوبة والتوفر على بعض الفرضيات الملحقة. وترتكز وحدة النظرية عنده على وجود إستراتيجية واحدة لحل المشكلات، أو عدد قليل من الإستراتيجيات التي يمكن تطبيقها في عدد كبير من الوضعيات. وأما خصوبة النظرية فتعني قدرتها على طرح أسئلة جديدة، وفتح واقتحام مجالات بحث جديدة لم يكن أحد قد طرقها من قبل، وفسح المجال لظهور رؤية جديدة للعالم. واما الفرضيات الملحقة فهي تلك الفرضيات التي يمكن التحقق منها في استقلال عن المشكلة التي وضعت في الأصل من أجل حلها وعن النظرية التي جاءت [الفرضية] لدعمها.
 
 

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

A
يقول السيد محمد ريان في تعليقه: "الكلام خاطيء والصحيح أن، <br /> النظرية العلمية هي تفسير مبرهن عليه نشكل قوي لجانب معين أو ظاهرة معينة في العالم الطبيعي ومبنية على مجموعة من الحقائق التي تم تأكيدها بشكل متكرر من خلال المشاهدات والتجربة <br /> يبدو ان السيد محمد ريان اكتفى بقراءة الفقرة الأولى ليصدر حكمه... ولو أنه قرأ الفقرة الموالية لوجد نفس التعريف الذي اقترحه للنظرية العلمية. نقرأ في مطلع الفقرة الثانية ما يلي: "وإذا كانت النظرية في الاستعمال اليومي تدل على التأملات الغير واقعية أو البعيدة عن الواقع، فإنها تدل في مجال العلم على نموذج أو نسق من الأفكار الذي يحكمه منطق صارم، ويستعمل لوصف مجموعة من الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية وتفسيرها وتوقع تطوراتها.
Répondre
M
وهنا تستطيعون الإطلاع المعنى الصحيح للنظرية العلمية من جامعة بيركلي كاليفورنيا<br /> http://undsci.berkeley.edu/article/howscienceworks_19
Répondre
M
https://www.nap.edu/read/6024/chapter/2#2
Répondre
M
الكلام خاطيء والصحيح أن، <br /> النظرية العلمية هي تفسير مبرهن عليه نشكل قوي لجانب معين أو ظاهرة معينة في العالم الطبيعي ومبنية على مجموعة من الحقائق التي تم تأكيرها <br /> بشكل متكرر من خلال المشاهدات والتجربة!
Répondre
M
أنتم هنا تتحدثون عن النظرية في اللغة العامية وليس النظرية العلمية، أرجو منكم المراجعة والتصحيح!
Répondre

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens