Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
30 novembre 2007 5 30 /11 /novembre /2007 19:49

 

مفهوم الشخص في فلسفة دافيد هيوم
أحمد أغبال
 
استهل دافيد هيوم (1711-1776) David Hume بحثه الفلسفي في مسألة الهوية الشخصية بنقد الأطروحات الفلسفية التي ترتكز على مجموعة من المصادرات التي يعتقد أصحابها بأنها بديهية والتي أجملها في الفقرة التالية من كتابه "رسالة في الطبيعة الإنسانية" A Treatise of Human Nature، يقول:
"هناك بعض الفلاسفة الذين يعتقدون بأننا نكون في كل لحظة على وعي حميمي بما نسميه ذواتنا؛ وبأننا نشعر بوجودها وباستمرارها في الوجود؛ وبأننا متيقنون يقينا لا يحتاج إلى برهان بهويتها الخالصة وبساطتها. ويقولون إن أكثر الأحاسيس قوة وأكثر الانفعالات عنفا إنما تُثَبِّتُ تلك الهوية أكثر، بدل أن تصرفنا عن نظرتنا تلك إليها، وتجعلنا نعتبر تأثيرها في الذات من خلال ما تحدثه من ألم أو لذة. أما وأن نبحث عن مزيد من الأدلة لإثباتها، فإن من شأن ذلك أن يقلل من بداهة وجودها، وذلك لأنه ليس هناك من دليل يمكن أن يشتق من أية واقعة من الوقائع التي نكون واعين بها بشكل حميمي؛ كما أنه لن يكون هناك شيء يمكن معرفته معرفة يقينية إن خامرنا الشك في حقيقة وجودها"
لقد شك دافيد هيوم في بداهة المصادرات التي تنبني عليها الأطروحة القائلة بوجود هوية شخصية ثابتة والتي دافع عنها كل من ديكارت وجون لوك وغيرهما؛ وبشكه في المصادرة التي تقول بأن فكرة "الأنا أفكر" يمكن إدراكها عن طريق الحدس العقلي نظرا لبساطتها ووضوحها وتميزها يكون قد قوض أركان اليقين الديكارتي. إن القول بأن ما يميز الهوية الشخصية هو بساطتها ووضوحها وثباتها عبر الزمن هو قول غير بديهي وغير مقبول في نظر دافيد هيوم، ذلك لأن تشكيل فكرة عن الذات أو الهوية الشخصية يستلزم توفر انطباعات وأحاسيس تكون على درجة من الثبات والاستقرار اللذان يمثلان الشرط الضروري  لبروز هوية شخصية؛ والحال أن جميع أحاسيسنا، كالإحساس بالألم أو اللذة  والشعور بالحزن أو الفرح الخ، مؤقتة وعابرة لا تستقر على قرار؛ يقول بهذا الصدد:
"من جهتي، عندما أتوغل في الأعماق الحميمة لما أسميه إنيتي، لا أعثر فيها سوى على بعض المدركات الخاصة أو شيء آخر، كالحرارة والبرودة، والنور والظل، والحب والكراهية، والألم واللذة؛ ولا يمكنني الإمساك بذاتي في أية لحظة بدون إدراك، كما لا يمكنني أبدا ملاحظة شيء آخر غير الإدراك... وإذا وضعنا بعض الميتافيزيقيين جانبا أمكنني أن أجازف بالقول إن بقية أفراد النوع البشري لا يمثلون سوى مجموعة من المدركات المختلفة والمتعاقبة بسرعة مذهلة، والتي هي دائمة التدفق والحركة"
ولما كانت الانطباعات والأحاسيس غير ثابتة وغير متزامنة فإنه لا يمكن أن تشكل أساسا لقيام الهوية الشخصية الثابتة؛ هذا بالإضافة إلى أن أي انطباع أو إحساس يوجد بمعزل عن غيره، يقول بهذا الصدد:
"[مدركاتنا] مختلفة عن بعضها البعض وقابلة للتمييز بينها وفصل بعضها عن بعض، بحيث يمكن فحص كل انطباع على حده، كما يمكن [لكل انطباع] أن يوجد منفصلا عن غيره، ولا يحتاج لغيره كدعامة لوجوده"
إن تنوع مدركاتنا، واختلاف تجاربنا الشعورية وانفصال بعضها عن بعض، وافتقارها جميعا إلى دعامة ترتكز عليها وتسند إليها مثلما تسند الصفات إلى الكائن، كل ذلك يدل على أن وجودها لا يرتبط بوجود ذات لها ماهية ثابتة مثلما يعتقد ديكارت وجون لوك وغيرهما؛ إن وجود تلك المدركات والانطباعات والأحاسيس لا يحتاج إلى وجود ذات أو جوهر ثابت. وهل بإمكاننا أن نلاحظ وجود هكذا جوهر؟ كل ما يمكن ملاحظته وإدراكه هو تلك الانطباعات والأحاسيس مجردة أو منفصلة عن أي أساس أو وعاء أنطلوجي، وعندما نفكر في أنفسنا لا نعثر فيها عن شيء آخر غير تلك المدركات والأحاسيس، ولا يمكننا تشكيل أية فكرة عن "الأنا" أو الشخص ما دمنا لا نتوفر بشأنه عن "انطباع خاص" يكون مطابقا لفكرة الأنا أو يقدم نفسه كنسخة مطابقة لتلك الفكرة.
ومن هذه الملاحظات استنتج دافيد هيوم تعريفه للشخص، وحدده بأنه مجموع المدركات والمشاعر والإحساسات التي يعقب بعضها بعضا باستمرار وبدون توقف. إن هذه الوقائع الذهنية والنفسية المتدفقة بلا انقطاع هي التي تشكل مضمون الأنا، بحيث يمكن القول إن الأنا أو الشخص هو عبارة عن ديمومة من التجارب الشعورية المتنوعة. لا وجود إذن لهوية ثابتة، كل شيء في تغير مستمر، ولعل ذلك هو ما عبر عنه هيوم بقوله: "إن الهوية التي تنسب إلى العقل البشري ليست سوى وهما من الأوهام". فلما كانت وقائع الحياة الداخلية في حركة وتغير مستمرين فإنه لا يمكن الحديث عن هوية ثابتة؛ وأما الاعتقاد بوجود مثل هذه الهوية فهو خدعة ماكرة من مخادعات العقل البشري: فقد يحصل لدينا الانطباع باستمرارية شيء ما في الوجود عبر الزمن، ولا ننتبه إلى أن ما يوجد في الواقع ليس نفس الشيء بل سلسلة من الأشياء المتعاقبة؛ فعندما يتعرض ذلك الشيء لأي تغير تدريجي يحدث بكميات طفيفة لا ننتبه إلى أننا أمام سلسلة من الأشياء المختلفة التي يعقب بعضها بعضا عبر الزمن، بل نعتقد أننا لازلنا أمام نفس الشيء، ويحصل الاعتقاد بوجود هوية ثابتة. وأما الاعتقاد بوجود هوية شخصية فينشأ عن الانطباع بأن مدركاتنا وأحاسيسنا مترابطة فيما بينها وبأنها تشكل وحدة متكاملة، وهي في الواقع منفصلة عن بعضها البعض لا تربط بينها أية علاقة تجعل منها تركيبة ذات هوية متميزة.
والحقيقة أن ما يرفضه هيوم هو القول بأن الهوية الشخصية تتحدد بوجود جوهر أو ذات أو روح أو "شيء مفكر" مثلما يعتقد ديكارت، وبأنها تظل ثابتة مهما تعرض الجسد والخصائص السيكولوجية للتغير؛ ويعتقد على العكس من ذلك بأن الحياة الداخلية هي عبارة عن مجموعة من التجارب الشعورية المتنوعة التي لا يمكن اختزالها في تركيبة واحدة موحدة، ومعنى ذلك أيضا أنه لا يمكن إدراك الذات في وحدتها؛ إن كل ما يمكن إدراكه هو تلك السلسلة المتعاقبة من الانطباعات والإحساسات والتجارب الشعورية المختلفة. فالأنا في نظره ليست شيئا من الأشياء التي يمكن إدراكها أو الوعي بها، إنها ليست شيئا آخر غير "مجموعة من المدركات"، وهذه المدركات هي قوام الهوية الشخصية عنده.   
ونظرا لأن هيوم رفض نظرية ديكارت التي تقول بأن الأنا جوهر قائم بذاته، ظلت الوقائع الذهنية والعاطفية الوجدانية معلقة بدون فاعل. ولعل ذلك هو ما جعل هيوم يعرف الشخص فيما بعد بأنه الفاعل الذي تصدر عنه الأفعال الذهنية والعاطفية-الوجدانية، ولكنه اكتفى بإرجاع تلك الأفعال إلى نشاط الدماغ، وظل متشبثا بالتعريف الوارد في الفقرة السابقة، والذي نص على أن الشخص هو "مجموعة من المدركات المختلفة" التي تشمل "الأفكار" و"الانطباعات".
Partager cet article
Repost0

commentaires

Recherche

Archives

&Amp;#1593;&Amp;#1606;&Amp;#1575;&Amp;#1608;&Amp;#1610;&Amp;#1606; &Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1605;&Amp;#1602;&Amp;#1575;&Amp;#1604;&Amp;#1575;&Amp;#1578;

دروس في الفلسفة

Liens